قال الضَمِير المُتَكَلّم: قبل مدة كنت في زيارة لمركز التأهيل بالمدينة المنورة؛ يومها رأيت رجلاً تعرض لحادث مروري أصابه بالشّلل الكامل، وأفقده النطق؛ فلا يربطه بالعَالَم إلا تعبيرات في الوجْه وبعض النظرات؛ هذه حاله، وذاك مكانه على سريره منذ (15 عاماً)!! اقتربت منه، حاولت مداعبته؛ لمحت في محياه الطيب شيئاً من ابتسامة؛ ولست أدري أهي فرحة بزيارة فَقَدَها، أو رسالة تفاؤل تقول: لَسْتُ معاقاً؛ بل أنت المُعاق يا مَن تملك صحتك وأطرافك وحَوَاسّك؛ ولا تبتسم للحياة؛ ولا تُسَهِم في صناعتها في نفسك، وعند غيرك من بني البشَر!! ودّعته والمشاعر في نفسٍ مختلطة بين حُزن وأسى لألمه، وفرحة بابتسامته وما قدمته لي من دروس في الهِمّة رغم الغُمّة!! غير بعيد التقيت بطفلة صغيرة تملأ المكان بهجة وضجيجاً وحركة؛ رغم أنها تسير على قدميها بصعوبة بالغة وبمساعدة بعض الأجهزة؛ وعرفت أنها كانت مُقْعَدَة ثم بفضل الله ثم بالاهتمام والمتابعة تحرّكَت؛ وها هي تحتفل بالحياة، وإشراقة وصوت ضحكاتها تنادي أيضاً (أنت المُعَاق) يا مَن حباك الله بالصحة والحركة الكاملة؛ ومع ذلك تقتلها باليأس والكَسَل!! (أنت المُعَاق) يا مَن لا تستغل طاقتك في بناء نفسك ومستقبلك وفي صناعة الحياة لدى أفراد مجتمعك!! شاهدت هناك صوراً ونماذج مختلفة من المعاناة لكنها تبقى دائماً تبحث عن الحياة، وفي الطموح والأمل تقدم دروساً للأصحاء في تحطيم حَواجِز العَجْز؛ فلسان حالها يُردّد: (مَا خُلِقَتْ الآلامُ إلا لنكونَ أقوى منها)! فما أحوجنا أن نقوم بزيارات دورية ولو مرة في الشهر لأولئك الأنقياء الأبرياء؛ ففي تلك الزيارات التي تخلو من النفاق والمجاملة والرياء شيء من خدمة المجتمع، وفيها وفاء وعطاء لتلك الفئة الغالية التي قد تكون منسية؛ والتي سوف تقدم لزائريها دروساً مجانية في فَتْحِ نوافذ الابتسامة والأمل والعَمَل مهما كانت المعوقات!! وأخيراً أعزائي فقط جَرّبوا زيارة المَشَافِي وجمعيات المعاقين والتأهيل الشامل فهناك صناعة مجانية للإنسانية، وأنّ للأمل بقية مهما كانت المشاكل والصعوبات؛ وتذكروا دائماً أن (تحقيق الآمال يُوْلَد من رحِم الآلام). ألقاكم بخير والضمائر متكلمة.