لا تزال اللقطات المصورة عن التلاميذ الإسرائيليين وهم يركبون الحافلة التي تقلهم إلى مدارسهم وهم ينشدون أناشيد تدعو لقتل العرب والمسلمين وإجلائهم من فلسطين ماثلة في الأذهان لتعبر بوضوح التأثير الكبير لكل ما يوضع في ذهن الطفل من مناهج وأناشيد لكي تغير حياته ومستقبله ونظرته لكل الأمور وخاصة عند رؤية هؤلاء التلاميذ حين يصبحون شبابا ينخرطون في الجيش الصهيوني ويقتلون المسلمين بدم بارد. وكل ما نراه من تصاعد موجات الكراهية والدعوة إلى معاملة المسلمين كالغرباء في أوروبا وإقامة الجمعيات السرية والمعلنة التي لا هدف لها إلا القضاء على الإسلام والمسلمين لم يكن لينتج إلا من خلال مناهج دراسية شديدة العنصرية والبغض لكل ما هو مسلم, ويتلقاه كل تلميذ دارس في الغرب كمنهج تعليمي منظم ومدروس ومتتابع ليسلخ المسلم الصغير المنخرط في مدارسهم عن دينه ويعمق من كراهية غير المسلم لهذا الدين نظرا لما وضعوه في تلك المناهج من سموم. وللمناهج الدراسية خطورة كبيرة وتأثيرها عميق على كل دارس يظهر عليه أثرها عاجلا أو آجلا, فكل ما يترسخ في الأعماق الفكرية للإنسان ناتج عن المنهج الدراسي له في صغره والذي يضطر لدراسته ومناقشته وفهمه والاقتناع به وخاصة في أمور العقائد والأفكار. ويتعامل الغرب الأوروبي مع المناهج الدراسية تعاملا يختلف عن تعامل العديد من أنظمة التعليم في المشرق العربي والإسلامي, إذ يعتمد -أي الغرب الأوروبي- على الفهم والاستيعاب أكثر مما يعتمد على الحفظ النظري الذي يتبخر بعد كل اختبار, ولهذا فللمنهج الدراسي المدروس بعناية والمطبق بإتقان أثر كبير في تكوين البعد الفكري لكل شخصية أوروبية. ويصعب على كل دارس أوروبي تغيير أفكاره وقناعاته عن الإسلام والمسلمين عن تلك الأفكار والقناعات التي تعلمها في صغره من مناهجه الدراسية وأيضا التي تتم تغذيتها وتذكيتها عن طريق وسائل الإعلام المملوكة غالبا لليهود لكي تستقر تلك الأفكار والقناعات داخل عقلية ونفسية الأوروبي, ويتكون لديه حائط صد قوي ضد الإسلام, فلا يعرف عن الإسلام والمسلمين إلا ما أرادوا أن يعرفوه عنه, ولهذا نراهم ورغم كل وسائل التقنية الحديثة والمعارف المنتشرة في كل مكان والتي تيسرت جدا الآن, نراهم في أقصى درجات الجهل بالإسلام, فلا يعرفون عنه إلا على كل نقيصة, ولم يسمعوا أبدا بمآثر الحضارة الإسلامية العريقة التي أنارت ظلمة الدنيا في وقت كانت أوروبا فيه تسبح في بحور عصر الظلام. « المسلمون متطرفون إرهابيون، المسلمون اقرب للوحوش الضارية لا يشغلهم إلا الطعام ونكاح النساء، الإسلام دين دموي يدفع أتباعه إلى القتل وتخريب العالم، المسلمون قوم منعزلون لا يحبون الناس ولا يختلطون بهم، كتابهم المقدس كتبه رسولهم وهو متناقض متخبط وبعضه منقول من الكتب الدينية السابقة مثل العهد القديم والجديد، حياتهم صحراء جرداء قاحلة يحبون الخراب ويكرهون العمران والتقدم، يأتون إلى بلدنا لنيل خيراتنا والتنعم بحريتنا والتضييق علينا بمنتهى الهمجية والوحشية» تلك هي بعض المفاهيم التي يتلقاها التلاميذ في مناهجهم الدراسية بمختلف الوسائل التعليمية في معظم البلاد الأوروبية، فماذا ينتظر أن تخرج من أجيال؟!! هل ستخرج جيلا منصفا يتحرى الحق ويتعامل مع الإسلام والمسلمين بإنصاف؟! أم ستخرج إرهابيا يتعبد لربه ويعمل لدينه وينصر أمته بالتضييق على المسلمين أو بتهجيرهم ولو بالقتل؟؟!!! ولم يكن هذا الأمر محض افتراء أو شعور بالنقص أو سيرا وراء نظرية المؤامرة ولكنه نتاج لعدة دراسات أكاديمية علمية مستفيضة لدراسة المناهج الدراسية في أوروبا وذلك في جانب تعرضها للإسلام والمسلمين. فمن تلك الدراسات الهامة هذه الدراسة التي استغرق إعدادها نحو 14 سنة وقام بها البروفيسور عبدالجواد فلاتورى -يرحمه الله- المستشرق الألماني والمحاضر بمعهد الدراسات الإسلامية بألمانيا ومعه زميلته البروفيسورة توروشكا بدراسة منهجية على مناهج الكتب الدينية المدرسية التي تدرس لطلاب عدة دول أوروبية منها ألمانيا وفرنسا وانجلترا وهولندا وأسبانيا وغيرهم، وقد شارك فيها عدة من الباحثين الألمان، ونشرت الدراسة بعدة لغات كالألمانية والإنجليزية والعربية. وتركزت الدراسة التحليلية على خمسة محاور رئيسية، فتناولت نظرة الكتب الدينية المدرسية إلى الله عند المسلمين، والقران الكريم، وشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، والمجتمع الإسلامي، وأخيرا علاقة الإسلام بالأديان الأخرى وخاصة النصرانية واليهودية. وقد أثبتت الدراسة أن هناك خلطا وتشويها واضحين وبصورة متعمدة للإسلام كديانة وللمسلمين كشعوب وقعت فيه الكتب الدينية الدراسية في أوروبا، وبالتالي أثر في عقلية التلاميذ ومن ثم في العقلية الأوروبية كلها، بل وأثرت على نظرة الشعوب الأوروبية للإسلام والمسلمين. وفي دراسة أخرى قام بها معهد جورج ايكيرت الألماني لأبحاث الكتب المدرسية بعد تحليل 27 كتابا تستخدم في مدارس خمس دول وهي بريطانيا وفرنسا والنمسا وأسبانيا وألمانيا وكان من نتائجها أن هذه الكتب تقدم عن الإسلام أفكارا مشوهة تعكس ما أسمته الدراسة ب «العنصرية الثقافية». وصرحت السيدة سوزان كروهنرت عثمان مديرة مشروع الدراسة معلقة على نتائجها بقولها «دائما ما يقدم الإسلام على انه منظومة من القواعد البالية التي لم تتطور منذ عصره الذهبي خلافا لأوروبا الحديثة التي تتطور باستمرار» ويقول الخبير النمساوي اوتوها بسبورج ان الأوروبيين يجهلون الكثير عن الشعوب الإسلامية وعن الإسلام وان برامج التعليم فى أوروبا لا تعرف الأجيال الأوروبية حتى بالقران بقدر ما تحيلهم إلى حساسيات تاريخية قديمة». وقد اعترف بعض مسؤوليهم بالتحيز الواضح والتشويه المتعمد لصورة الإسلام في المناهج الأوروبية مثل جوزيف هوبر المسؤول عن قسم التعليم العالي والبحوث بالمجلس الأوروبي الذي عبر عن رغبة الجانب الأوروبي في تنقية الكتب المدرسية لدى الطلاب الأوروبيين من الصورة الشائعة للإسلام وتعاليمه. وفي بريطانيا فيقول الباحث عبدالمحسن بن سالم العقيلي -رئيس فريق تحليل سعودي للكتب الدراسية في بريطانيا والذي تضمنت دراسته 30 كتابا في التاريخ والأديان والجغرافيا: «إن الدراسة أظهرت أن صورة العرب في تناول هذه الكتب لفترة الحروب الصليبية والصراع العربي الإسرائيلي سلبية وتربط بين الإسلام والإرهاب, وتحصر مضمون الإسلام في مجرد الحديث عن الحرام والحلال والمحظور والمباح ولا تقدم للقارئ الإسلام كدين يحمل رسالة حضارية وإنسانية كاملة, كما تربط بعض الكتب بين الجماعات المتشددة والإسلام». إن هذه المناهج وما تبثه من أفكار مشوهة ومغلوطة عن الإسلام والمسلمين وتزرعه في عقول التلاميذ منذ صغرهم لكفيلة بتنامي ظاهرة ما يسمى ب (الإسلاموفوبيا)، وتساهم في إيجاد أجيال كاملة لا تريد أن تعرف الإسلام بل تحمل له عداء شديدا وتزيد من الكراهية في تلك المجتمعات للوجود المسلم على أرضها وتعاملهم معاملة المواطنين غير المرغوب فيهم، رغم كون الكثير من المسلمين ولد ونشأ وعاش على أراضيهم إلا أنهم ليست لهم مثل غيرهم من الحقوق وعليهم أكثر مما على غيرهم من العقبات والتضييق. ولا عجب حينها إذا رأينا قانونا لمنع للمآذن أو لحظر للحجاب والنقاب أو متطرفا يقتل من المسلمين العشرات أو زعيما يحاول الوصول لأعلى شعبية له بمهاجمة الإسلام أو ممن يتهكم على نبينا صلى الله عليه وسلم بالرسوم المتحركة، فكل هؤلاء نتاج مناهج دراسية متعصبة ومغرضة وظالمة للإسلام والمسلمين وإعلام يعمل ليل نهار على تكريس ما تلقنوه في تلك المناهج.