رغم أن هزيمة 67 التي تلقاها العرب على يد العدو الصهيوني كانت قاسية وربما كارثية، إلا أن الضربة لم تكن قاضية كما يتصور البعض. الجيش المصري سرعان ما استعاد معنوياته بفضل حرب الاستنزاف التي شهدت عمليات عسكرية نوعية، كان أبرزها العملية التي تم تدمير ميناء إيلات من خلالها. الهزيمة المذلة والساحقة لم تكن قاتلة، فالهزيمة لم تؤد إلى خلق حالة فراغ سياسي واستراتيجي في العالم العربي كتلك التي بدأت فصولها في أواخر عام 1970، ثم توالت تلك الفصول مع المفاوضات التي عقدها وزير الخارجية الأمريكي حينذاك هنرى كيسنجر، حتى وصلنا إلى مرحلة إتمام معاهدة كامب ديفيد للسلام بين كل من مصر والعدو الإسرائيلي. تحييد مصر وما نتج عنه من حالة فراغ سياسي واستراتيجي شبه تام ، ساهم في ظهور الطامحين ( سوريا والعراق ) لملء الفراغ الذي تركته مصر منذ أن بدأ السادات يحيد عن الخط العروبي عقب الانتصار الجزئي الذي حققه في حرب 73 . . لكن هؤلاء الطامحين سرعان ما انشغلوا بصراعات جانبية استنفدت موارد المنطقة، وساهمت في وجود حالة من التشرذم نتج عنها صعود محاور تضم العديد من الأنظمة التي لا يجمع بينها سوى العداء لأنظمة المحور الآخر. العراق وسوريا كانا بطلي سياسة المحاور العربية العربية رغم أن البلدين كانا يشتركان في ذات الأيديولوجيا . أما سبب الصراع الحقيقي فهو حرص كل دولة من الدولتين على الاستيلاء على ميراث مصر دون أن يكون لأي منهما الإمكانات الكافية للقيام بهذا الدور. النظام السوري حاول أن يكرس سيادته على المنطقة من خلال مشروع سوريا الكبرى الذي كانت أولى خطواته الهيمنة الكلية على لبنان بعد فشل الغزو الإسرائيلي لها عام 82. ورغم ما ارتكبه النظام السوري من فظاعات وانتهاكات لحقوق الإنسان في سبيل الهيمنة على جارته الصغرى، فإن ما فعله النظام السوري بالفلسطينيين وبالذات خلال حرب المخيمات بغية انتزاع الورقة الفلسطينية، كان فوق تصور العقل. النظام العراقي من جهته افتعل حربا عبثية مع جاره الإيراني وهو يظن أن حسم المعركة سيكون سهلا بسبب حالة الضعف التي لحقت بالجيش الإيراني بعد الثورة . لكن حسابات العراقيين كانت خاطئة، وبسبب المقاومة الشرسة التي لقوها من الإيرانيين فقد استنزف العراقيون ثروات المنطقة وقاموا باستخدام كل الأسلحة المتاحة لتعبئة الجماهير العربية، وعلى رأسها ورقة الطائفية والخلاف المذهبي بين السنة والشيعة. فماذا كانت النتيجة؟ يتبع.