مطارات الدمام تدشن مطارنا أخضر مع مسافريها بإستخدام الذكاء الاصطناعي    ديوانية الأطباء في اللقاء ال89 عن شبكية العين    البنك المركزي الروسي: لا حاجة لإجراءات طارئة لدعم قيمة الروبل    الحملة الشعبية لإغاثة الفلسطينيين تصل 702,165,745 ريالًا    الجبلين يتعادل مع الحزم إيجابياً في دوري يلو    "أخضر السيدات" يخسر وديته أمام نظيره الفلسطيني    حرمان قاصر وجه إهانات عنصرية إلى فينيسيوس من دخول الملاعب لمدة عام    الأهلي يتغلب على الوحدة بهدف محرز في دوري روشن للمحترفين    أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس واعضاء مجلس ادارة جمعية التوحد بالمنطقة    مدني الزلفي ينفذ التمرين الفرضي ل كارثة سيول بحي العزيزية    مدني أبها يخمد حريقًا في غرفة خارجية نتيجة وميض لحظي    أمانة القصيم توقع عقداً بأكثر من 11 مليون ريال لمشروع تأهيل مجاري الأودية    ندى الغامدي تتوج بجائزة الأمير سعود بن نهار آل سعود    «سلمان للإغاثة» يختتم المشروع الطبي التطوعي للجراحات المتخصصة والجراحة العامة للأطفال في سقطرى    6 مراحل تاريخية مهمة أسست ل«قطار الرياض».. تعرف عليها    محرز يهدي الأهلي فوزاً على الوحدة في دوري روشن    المملكة تفوز بعضوية الهيئة الاستشارية الدولية المعنية بمرونة الكابلات البحرية    القادسية يتفوق على الخليج    نعيم قاسم: حققنا «نصراً إلهياً» أكبر من انتصارنا في 2006    النصر يكسب ضمك بثنائية رونالدو ويخسر سيماكان    "مكافحة المخدرات" تضبط أكثر من (2.4) مليون قرص من مادة الإمفيتامين المخدر بمنطقة الرياض    الجيش السوري يستعيد السيطرة على مواقع بريفي حلب وإدلب    خطيب المسجد النبوي: السجود ملجأ إلى الله وعلاج للقلوب وتفريج للهموم    السعودية تتسلّم مواطنًا مطلوبًا دوليًا في قضايا فساد مالي وإداري من روسيا الاتحادية    «الأونروا»: أعنف قصف على غزة منذ الحرب العالمية الثانية    الشؤون الإسلامية تطلق الدورة التأهلية لمنسوبي المساجد    والد الأديب سهم الدعجاني في ذمة الله    خطيب المسجد الحرام: أعظمِ أعمالِ البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة    وكيل إمارة جازان للشؤون الأمنية يفتتح البرنامج الدعوي "المخدرات عدو التنمية"    وزارة الرياضة تُعلن تفاصيل النسخة السادسة من رالي داكار السعودية 2025    المياه الوطنية و sirar by stcيتفقان على تعزيز شبكة التكنولوجيا التشغيلية في البنية التحتية لقطاع المياه    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ذوو الاحتياجات الخاصة    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    بالله نحسدك على ايش؟!    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمرو العامري: جازان فقيرة من المثقفين المهمومين
نشر في المدينة يوم 18 - 01 - 2012

إن كان غائبًا عنك أن القاص عمر العامري قد تقاعد عن العمل العسكري منذ وقت طويل، فاعلم أنه ما زال حفيًا بلقب «الأدميرال»، خرج بهذا اللقب حاملاً كثيرًا من الهموم الثقافية والأدبية، عبّر عن بعضها في القصة القصيرة، فقدم للساحة بعد «طائر الليل» و»رغبات مؤجلة» و»ليس الأدميرال من يكاتبه»، لكن الرواية ما زالت تعانده، وهم جمع التراث وتوثيق الشفهي منه يؤرقه.. يفتح عينه على منطقته جازان فيرى عددًا كبيرًا من المبدعين «القانعين»، لكنه يأسف لفقر منطقته من المثقفين المهمومين.. وذات الأسف يرمي به المعارك الثقافية التي تشهدها الساحة، فهي برأيه تفتقد «الأدوات النبيلة»، غير أنه سعيد بتجربة الانتخابات في الأندية الأدبية رغم ما اعتراها من مناقص، لكنه ينتظر مستقبلاً أجمل لها في الدورة المقبلة..
رؤية العامري للجوائز الأدبية والثقافية المحلية، ونظرته لواقع القصة القصيرة، وغياب الملاحق الثقافية، وموقفه الحزين من «التفاح»، وغير ذلك من المحاور في سياق هذا الحوار..
تأصيل الأدميرال
* أي دافع حبب إليك لقب «الأدميرال» من دون جميع الألقاب؟
مفردة أدميرال عربية الأصل؛ وتعني «أمير البحر»، وقد وظفتها البحريات الغربية كرتبة عسكرية كبيرة. وهي بالفرنسية «أميرال» وباللغة الانجليزية «أدميرال»، واستخدامي لها ليس حبًّا في الألقاب والتسميات؛ ولكني أردت إعادة هذه المفردة إلى أصلها العربي وإلى ثقافتنا المحلية.
مكنون بحري
* ارتبطت بالبحر ارتباطًا وثيقًا فسبحت على ظهره «قبطانًا» عاشقًا.. فكيف هي الصلة بينكما؟
إذا أحببت أي شيء فيجب عليك أن تعشقه سواء عملك أو أي شيء آخر، فالبحر يساعدك على العشق، ويساعدك على الإبداع، ويساعدك على ارتياد أماكن قد تكون محظوظًا أنك وصلت إليها يومًا ما، هذه العلاقة الحميمة ما بيني وبين البحر، وبيني وبين السفينة، وما بيني وبين السلاح ولّدت لدي حالة عشق وهيام عشت معها تجارب جميلة، وأشياء كثيرة، أتمنى يومًا أن استطيع أن استخلصها من داخلي وأحاول أكتبها، فقد كتبت فترة طويلة عن القرية وعن الزراعة وعن الفلاحة، الآن أجدني أحاول أن أخرج من داخلي المكنون البحري وأحاول توظيفه في كتاباتي القادمة،.
اليوتوبيا المفقودة
* الماضي محتشد بالحنين.. والحاضر والمستقبل يلوحان بالأمنيات... فإلى أيهما تتجه بوصلتك؟
بطبيعتنا دائمًا نحنّ إلى الماضي في تركيبتنا العربية، نرى أجمل الأشياء ما كان في الماضي، وربما أننا لم نحصل في الحاضر على ما نشتهيه، وربما أن الماضي فعلاً كان أجمل بذلك الزمن الجميل حيث السلام والهدوء مع النفس والذات والمكان والزمان، وكان المكان أشدّ إنسانية، وعلاقة الإنسان بالأشياء جميلة.. الحاضر صار زخمه سريعًا، وصرنا نلهث حتى نلاحق التقنية، ونلاحق الزمن، ونلاحق الحياة؛ هذا جعلنا دائمًا نحنّ ونشتاق إلى الماضي، كلنا نشتاق للماضي، ودائمًا نجد فيه اليوتوبيا المفقودة، وطبيعة الإنسان العربي دائمًا يشتاق للماضي، فهناك الكثير من القصائد والمعلقات بالشعر العربي كلها تبدأ بالحنين للماضي، لسنا بدعًا في هذا.
نبوءة مبكرة
* الحاضر جاء بالعولمة التي أصبحت تمثل للبعض هاجسًا كبيرًا.. ما موقفك منها؟
لعلي من أوائل من تحدث عنها، قبل عقد من الزمن كانت العولمة تشكّل هاجسًا للمجتمع؛ بل كانت مصطلحًا غامضًا؛ ما هي العولمة، وكيف نتفادى العولمة، وكيف نهرب منها.. كأنها شيء باستطاعتنا تجاوزه أو الهروب أو الاختباء منه، أنا من أوائل من تكلموا، ولي بحث في هذا المجال، وقلت إن العالم سوف يبدو قرية صغيرة، وأن العولمة سوف تشكل ذائقتنا وحياتنا، وإننا لا نستطيع الفكاك منها وإنما يجب إن نكون مشاركين فيها، وتحققت النبوءة، والعالم أصبح قرية واحدة بفضل تقنية المعلومات، وبفضل ثقافة الإنترنت وثقافة الجوال غدا العالم كله عالمًا صغيرًا واحدًا، أو كما قال توماس ردمن «صار العالم مسطحًا ولم يعد كرويًا»، العولمة ليست شرًّا ولا خيرًا، هي جزء من حياتنا يجب أن نعيشها ونتعايش معها، وأن نكون مشاركين لا متفرجين.
تفاعل أو دهس
* كيف ذلك؟
أن نشارك فيها بوعي، وأن يكون لدينا ما نقدمه للآخر.. لابد أن يكون لدينا شيء نقدمه ونشارك فيه في العولمة، وإلا فإن القطار سوف يدهسنا، فلا يمكننا أن نختبئ أو أن نتخندق أو ننعزل عن العالم، وفي المقابل يجب أن يكون لدينا ما نقدمه، ولله الحمد نحن لدينا ما نقدمه، فلدينا هوية، ولدينا ثقافتنا العربية والإسلامية، ولدينا ديننا القويم، ولكن يجب أن نقدمه بشكل يساهم في أثراء الحضارة الإنسانية.
إعلام سمج
* وكيف السبيل إلى أن نظهر ونبرز الصور التي ارتبطت بديننا وتاريخينا وتراثنا للآخر؟
نحن دائمًا نقع في مأزق عندما نحاول أن نصدر للعالم كل شيء عبر الإعلام، أو عبر الإعلام الدعائي السمج، العالم لا يحتاج الآن إلى أن تقدم له إعلامًا، فقط اصنع الشيء الجميل في بلدك والعالم سيراك، يجب أن نراجع أبجدياتنا وأولوياتنا وثقافتنا وننقيها، لدينا إحساس بالأنا، ونقول ليس علينا من الآخر ولا يهمنا، فلم يعد هذا الكلام معقولاً، فنحن جزء من العالم، ونتأثر بالعالم، ويجب أن نتأثر بالعالم، ولكن بالطريقة الحضارية والمقبولة التي يقبلها.
بناء وليس هدم
* الإعلام الجديد الذي تدعو إلى استثمار ينقسم الناس حوله سلبًا وإيجابًا.. فمع أي الفريقين تقف؟
الإعلام الجديد عامل بناء وليس عامل هدم، فهو قد حرر الناس وأعطاهم مساحة لأن يقولوا رأيهم بحرية، وأسقط سطوة الرقيب وسطوة السلطات، وجعل العالم يرى الصورة الحقيقية.. العالم الجديد هو أحد المزايا التي ندين بها للتقنية؛ لأنه لولا العالم الجديد لكنا ننتظر الصحيفة الصباح بكل تشوهاتها، وننتظر الخبر الذي يمر على ألف رقيب، ولكن في عهد العالم الجديد لم نعد ننتظر أحدًا؛ نحن نصنع إعلامنا، ونحن نصدره، ونحن نقرأه، ونحن نريد أن نقول ما نقول.. الإعلام الجديد في نظري هو مزية ولدينا الكثير من الأمثلة على ذلك.
تسطيح الثقافة
* بهذه الصور الزاهية التي ترسمها للإعلام الجديد.. هل وجد المثقف فيه مجالاً رحبًا لإبداعاته المختلفة؟
الإعلام الجديد خدم المثقف، ولم يعد المثقف بحاجة إلى أن تنشر له الجريدة، أو أن يطبع له كتاب.. صار هو يصنع كتابه وجريدته وصفحته، الإعلام الجديد بالطبع خدم المثقف خدمة كبيرة.. لكن من عيوب الإعلام
الجديد أنه سطّح الثقافة، حيث صار بإمكان أي إنسان أن يكتب ويدعي أنه مثقف، فلكل ميدالية لها وجهيها، ولهذا لا ندعي أن الإعلام الجديد كله حسنات، فله سيئات؛ ولكن حسناته أكثر كثيرًا من سيئاته.
واقع مؤسف
* من أي النوافذ تنظر إلى مستقبل مشهدنا الثقافي؟
أتمنى أن يكون مشهدنا الثقافي المستقبلي أفضل من حاضرنا، فواقعنا الحالي على الصعيد الداخلي والخارجي دون طموحات المثقف السعودي للأسف، المثقف السعودي أو المبدع السعودي أبعد كثيرًا من النظرة الثقافية أو المنجز الثقافي سواء في الداخل أو الخارج، وللأسف الجهات الرسمية لم تخدم المثقف السعودي، ولم وتقدم المثقف السعودي، ولم تقدم الثقافة السعودية، لأنها ترتكز لآليات وأسماء تقليدية، وترتكن إلى إلية عمل تجاوزها الزمن، وبالتالي المثقف السعودي خرج بنفسه، ورفع صوته بنفسه، وفاز بالجوائز بنفسه، وليس للثقافة الرسمية عليه أي فضل.. نأمل أن تكون الثقافة المستقبلية أفضل كثيرًا من الحاضر.
إعادة الحسابات
* حصول روائيين سعوديين على جوائز قيمة عربية وعالمية كجائزة أبوالقاسم الشابي والبوكر وغيرها.. هل لها تأثير على واقع الأدب في المملكة؟
هذا السؤال يعيدنا للسؤال السابق؛ ففوز عبده خال أو فوز يوسف المحيميد أو رجاء عالم، كل هؤلاء فازوا بإبداعهم في الخارج، ووقفوا لوحدهم، وقدموا أنفسهم، وهذا ما يجعلني أعيد وأؤكد أن الثقافة السعودية جميلة ومبدعة ولكن مشكلتها الثقافة الرسمية التي لا تتماشى مع إبداع المثقف السعودي. طبعًا فوز هذه الأسماء بجوائز جعل الآخر يلتفت إلينا. في السابق كان ينظر إلينا على أننا أطراف والآخر هو المركز، وكان عندما تسأل أي مثقف عربي يتوقف بك عند تجربة القصيبي وتجربة طاهر زمخشري ولا يتجاوزها، لأنه ببساطة لا يقرأنا، ببساطة لا يعترف فينا ببساطة، وما زال يمارس علينا الأستاذية.. الآن فوز هذه الأسماء الجميلة بهذه الجوائز جعل الآخر يعيد حساباته، ويعيد قراءته للمشهد الثقافي السعودي، وأن هنا مشهدًا ثقافيًا جميلاً، لكن ما زلت أعيد القول بأن الثقافة الرسمية هي أحد مأساتنا في هذا البلد، متمنيًا أن يكون الغد أجمل.
الفرق بين المبدع والمثقف
* وضعت فرقًا بين المبدع والمثقف في محاضرة لك بجازان.. فعلي أي رؤية استندت في ذلك؟
هناك فرق كبير بين المثقف والمبدع، وكان حديثي في تلك المحاضرة لأهل جازان الذين دائمًا ما يرددون مقولة سائدة بينهم مفادها أن جازان عامرة بالمثقفين، فأردت أن أصدم المثقفين في جازان وقلت لهم في تلك الليلة وما زلت عند مقولتي أن جازان غنية بالمبدعين وبالقاصين والشعراء والمغنيين لكنها فقيرة أبدًا بالمثقفين؛ لأن المثقف إنسان صاحب قضية ورؤيا، المثقف لدية أزمة مع الواقع وأزمة مع الحاضر، المثقف إنسان يقاتل لجعل المستقبل أجمل؛ لكن في جازان مبدعين قانعين راضين بما هم عليه.. نعم فيها مبدعين كثر وليس فيه مثقفين. أما الفرق في التعريفات فقد عرفها إدوارد سعيد وعرفها سارتر، فهناك فرق كبير بين المثقف والأديب، المثقف شخص مأزوم مهموم بالمجتمع، مهموم بالمستقبل، مهموم بالإنسان دائمًا في تقاطع مع السلطات، ودائمًا في عداء مع الحاضر، ودائمًا يسبق عصره، ولهذا تجد المثقف مغتربًا في بيئته، ومغترب حتى داخل بيته، لأنه يسبق عصره بمسافات، يشعر بالانقطاع بينه وبين الحاضر، أما الأديب فحياتنا عامرة بالأدباء من مغنين وشعراء ورسامين، دعنا نقول عن هؤلاء مبدعين، الثقافة شيء مختلف، قد يكون المثقف لا يقرأ ولا يكتب ولكن لديه قضية، ولدينا كثير من الأمثلة في هذا المجال.
نهاية القصة القصيرة
* لو مر على خاطرك شريط الرواية والقصة القصيرة السعودية.. فكيف تقرأ منجزهما؟
قبل سنوات كانت هناك قراءة قصص قصيرة لأحد المبدعين لعلي أذكر اسمه الأستاذ فهد الخليوي، قلت في تلك الليلة لم يعد هناك أحد يقرأ القصة القصيرة، نقرأها لبعضنا من باب أن نقرأها فقط لبعضنا، قلت إن القصة القصيرة انتهت، وأن الإنسان يتجه للرواية ويتجه للشعر، قلت من يقرأ القصة القصيرة الآن هل يستطيع أن تسمي لي مجموعة قصصية قصيرة في الجانب المحلي لفتت انتباهه أبدًا، أعتقد أن القصة القصيرة لا أقول ماتت ولكن أقول أنه ليس وقتها، إنما الزمن زمن الرواية تحديدًا والشعر، وهذا ما جعل لدينا كمًّا هائلاً من الروايات، لأن المثقف يجد نفسه في الرواية، وهو ما جعل الكل يكتبها؛ حتى الشعراء اتجهوا الآن لكتابة الرواية، لعل آخرهم الشاعر محمد خضر.
تنفيس عن الذات
* خضت مجال الكتابة الساخرة وأبدعت فيها.. فعن ماذا تعبر تلك التجربة وإلى أين تود الإبحار بها؟
الكتابة الساخرة أحد أصعب أنواع الكتابة، فعندما يكون الواقع سوداويًا، وعندما تكون الحياة قاسية فإنك تلجأ للسخرية، فتسخر من الحياة؛ بل أحيانًا تسخر من نفسك. لا أعتقد أني من المبدعين في الكتابة الساخرة؛ ولكني ألجأ إليها تنفيسًا عن الذات واحتجاجًا على واقع لا ارتضيه، وأحيانًا أسخر حتى من نفسي.
ظاهرة ملفتة
* الملاحق الثقافية في صحفنا قلّت بشكل لافت.. فإلى أي سبب ترد ذلك؟
حقيقة هي ظاهرة ملفتة كما تفضلت، فمعظم الصحف تخلت عن الملاحق الثقافية عدا جريدتين، وهي ظاهرة مؤلمة لأننا نعتقد أن معظم مبدعي هذا الجيل من شعراء مثقفين خرجوا عبر هذه الملاحق الصحفية، فعرفهم الناس من خلال هذه الملاحق الصحفية، وتبناهم النقاد أيضًا عبر تلك الملاحق.. هذا السؤال يوجه إلى المشرفين على هذه الصحف، ولعله الإعلان ولعله إيقاع الحياة ولعله المناشط الكثيرة التي أصبحت متنفسًا للمبدع عبر الإنترنت ومنابر ومواقع التدوين، لعلها كلها ما أضعف الملاحق الثقافية؛ ولكن يظل للملحق الثقافي زخمه وحضوره، ولدينا تجربتين في جريدة المدينة وجريدة الجزيرة تؤكد أنه مازال للمحلق الثقافي حضوره، ومازال قبلة المثقفين.
القادم أجمل
* ما هي رؤيتك لتجربة الانتخابات التي خاضتها الأندية الأدبية مؤخرًا.. وكيف تنظر لدخول عدد كبير من المثقفات في مجالس الإدارات عبرها؟
أنا من السعداء بهذه التجربة، وأرى أنها خطوة جيدة، ولن تكون خطوة مكتملة ولن تكون تجربة مقبولة منذ البدء، سوف تعتريها الكثير من الأخطاء؛ لكن لا تولد أي تجربة مكتملة، أتوقع أن تكون في البداية الكثير من الأخطاء كما نلاحظ الآن في نادي الشرقية ونادي أبها وفي نادي جازان هناك كثير من اللغط، ولكن سوف نتعود على ثقافة الانتخابات وعلى تجربة الانتخابات، وقد تكون التجربة القادمة بعد أربع سنوات أكثر اكتمالاً ووعيًا من التجربة الأولى، ولكنها خطوة جميلة بكل عيوبها ومساوئها إن كانت هناك عيوب ومساوئ.. أما فيما يخص دخول المثقفات، فأنا لا أرى أنه هناك كثيرًا من المثقفات؛ ففي نادي جدة الأدبي مثلاً هناك ثلاث مثقفات فقط، وإذا سلمنا جدلاً أن المرأة هي نصف المجتمع فالمفروض أن يكون هناك خمس في عضوية مجالس الأندية الأدبية، ولكن بما أن مجتمعنا ما زالت مسيطرة عليه الثقافة الذكورية فلدينا ثلاث، وهذا ليس بعدد كبير.
هاجس الرواية
* ماذا تخبئ للمستقبل من إبداع بعد «طائر الليل» و»رغبات مؤجلة» و»ليس الأدميرال من يكاتبه»؟
ربما يعرف الكثير من الأصدقاء أني تقاعدت مبكرًا ليس لأني من طلب التقاعد، تقاعدت وكانت لدي الكثير من المشاريع الكتابية والكثير من المشاريع البحثية، ولكن للأسف بعد أن تقاعدت انشغلت بأشياء كثيرة أبعدتني، ومازال لدي هاجس الكتابة، ومازال لدي هاجس الرواية التي لم أكتبها، وما زلت مهمومًا بالأسطورة بمنطقة جازان والبحث فيها، ولدي مشروع كتابي في هذا المجال، ما زلت مهتمًا بالآثار بمنطقة جازان فكثير من الآثار المهملة والكثيرة التي بحاجة إلى بحث، ولدي للأسف الكثير من المشاريع ولكن لم نعد في زمن الفرد الواحد، نحن في زمن المؤسسات.
وفاء ل»وفاء»
* في عملك «ليس الأدميرال من يكاتبه» أفردت مساحة كبيرة لزوجتك وفاء ونشرت صورها على غير السائد في الثقافة المحلية.. فما هي الرسالة التي أردت إيصالها؟
وفاء تستحق وإنا لم أتحدث عنها إلا بالقليل فقد ضحت كثيرًا من أجلي، وتحملت عبء غيابي وتنقلاتي المستمرة، تعلمت منها الكثير كونها ابنة المدينة وأنا ذلك الإنسان البسيط القادم من القرية، فلها الفضل في كل ما يحيط بي، ونشري لصورها - رغم ممانعتها - هو تأكيد أنها مشاركة في كل شيء، وأن المثقف لا يجب أن يكون منفصلاً عن التنظيرات والرؤى التي ينادي بها، وأنه يجب أن يكون فخورًا بزوجته وأمه وأخته ولا يتحرج من ذكر اسمها كمعظم المثقفين التنظيرين، حاولت تأصيل هذه الفكرة على الأقل داخل الأسرة والمحيطين بي، وأعرف أن هناك الكثيرين يختلفون معي، لكني لن أكون سوى نفسي.
موروث ضائع
* أشرت إلى اهتمامك بالأسطورة والحكاية الشعبية.. فماذا عن مشروعك في هذا المجال؟
بلادنا غنية بالموروث الأسطوري الشفهي، وللأسف ضاع معظمه والبقية إلى طور الفناء، ومنطقة تهامة وجازان تحديدًا بحكم انتمائي لهذه المنطقة فقد رصدت الكثير من الأساطير والحكايات الشفهية والتي تنتمي إلى حضارات مختلفة جنوبية وإفريقية وهندية، إضافة إلى الطابع المحلي؛ فمنطقة جازان هي جزء من جنوب الجزيرة العربية، كانت على اتصال بالعالم من خلال البحر، وعلى مدى آلاف السنين تشكلت حكايات وأساطير كنا نسمعها ونلاحظها ونتعايش معها، بل إن بعض الأساطير تتطابق مع ما قرأت في كتب التراث الإغريقي، للأسف هذا التراث أهمل ونسي كونه غير مكتوب، وخلال مشاهدتي أحاول جمع القليل من هذا التراث، غير أن هذا عمل جماعي ومؤسساتي في المقام الأول، لكني أعمل ما أستطيع رغم كثير من العوائق، ولدي الآن مجموعة قصصية جاهزة للطبع بعنوان «من أساطير القرى» ترصد بعض الحكايات الموغلة في المخيلة الشعبية،.
معارك بلا نبل
* إلى أين تتجه معارك المثقفين؟
المؤلم والمؤسف أن المعارك الأدبية في عصرنا الراهن تتجه إلى الأدلجة والتخوين إلى الخروج على الإطار الثقافي وتنحاز للشخصية وإلى الدخول في النوايا، ولم تعد تلك معاركًا نبيلة، ولم تعد تلك المعارك التي تثري الحراك الثقافي تمامًا كما يحدث في السابق، للأسف المثقف الآن لم يعد يمتلك «أدوات النبل» التي كان يمتلكها المثقف السابق، صار بعض المثقفين الآن على استعداد للطعن في الظهر، والضرب تحت الحزام.
الإبداع ضد التأطير
* بعد كل هذه المسيرة.. هل خدمت الأندية الأدبية الثقافة؟
لا نستطيع أن ننكر بعض فوائد الأندية الأدبية؛ ولكن الأندية الأدبية لم تصنع ولن تصنع ثقافة ولن تخدم الثقافة، هي منابر رسمية أنشئت لإعطاء الثقافة الواجهة الرسمية والمنظمة لكن دائمًا أجمل المبدعين خارج الأندية الأدبية وأجمل الإبداع بعيدًا عن الأندية، الإبداع عمل مجنون لا يحتاج إلى تأطير، إذا أردت أن تؤطره فقد قتلته، والأندية الأدبية محكومة بلوائح وبتعليمات وبجهات رسمية لا تساعد على الإبداع، ولكن تعطيه الصبغة الرسمية والتنظيم المطلوب في حياتنا المعاصرة، ولكن هي لم تخدم الثقافة تمامًا وكما يحلم المثقف فالمثقف دائما حالم .
مساوئ بالجملة
* وكيف تنظر إلى الجوائز الثقافية المحلية؟
للأسف الجوائز الأدبية دائمًا ما يثار اللغط حولها من يستحقها ومن لا يستحقها، ولو كان لي من الأمر شيء لا أوقفت جميع الجوائز الأدبية الداخلية لأن مساؤها أكثر من محاسنها، فدائمًا ما يثار الجدل حول من يستحقها ومن لا يستحقها. ودعني أضرب لك مثلاً؛ كيف حجبت جائزة الشعر في سوق عكاظ في العام الفائت ألم يكن هناك في المملكة شاعر يستحقها، ألا يوجد لدينا شاعر بقامة محمد العلي والصيخان وغيرهما، الأسماء كثيرة.. فلم حجبت الجائزة، هذا يقودنا إلى شريعة الجوائز، الجوائز دائمًا تذهب لمناحي أبعد من الناحية الفنية فتدخل فيها مناطقية ومذهبية للأسف، وبالتالي تغدو انعكاسًا سلبيًا على الثقافة وعلى المثقفين والمبدعين، جائزة النادي الأدبي في حائل في السنة الماضية أثير حولها الكثير من اللغط، جائزة الأمير محمد بن ناصر في جازان كذلك أثير حولها كثير من اللغط، لا يمكن أن تمر جائزة إلا ومعها كثير من اللغط.. أتمنى أن توقف الجوائز الأدبية لأن المعايير في منحها غير دقيقة وغير مقننه ودائما ما تنحاز.
فاكهة الحزن
* لم تحوّل التفاح إلى فاكهة «الحزن» لديك؟
تعيدني هذه المفردة إلى نص محزن أليم كتبته بعنوان «التفاح» في مجموعتي «رغبات مؤجلة»، كان ارتباط
التفاح بالحزن بموت أمي لأن أردنا أن ندللها قبل أن تموت، أردنا أن نقدم لها شيئًا لعلها تستطيبه بعد أن أتبعها المرض، وكان التفاح في ذلك الزمن القديم أغلى ما نستطيع أن نحضر لها، ولكن للأسف توفيت قبل أن تستطيع أن تأكل هذا التفاح، ولهذا ظل التفاح لدي فاكهة مرتبطة بالألم والحزن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.