* تعتبر المرحلة الجامعية خلاصة سنوات شباب الوطن التعليمية، ومفصل الحياة الأهم الذي ينقلهم إلى المستقبل الواسع في مرحلة لا تحتمل أنصاف الحلول، حيث يعيش العالم أجمع ظروفًا وتقلبات بالغة التأثير في مستوى الشعوب والدول، فإذا لم يكن الطالب الجامعي خاضعًا لبرامج عالية المستوى تُؤهله بإتقانٍ شديد ليكون إنسانًا فاعلًا قادرًا على أن يحدث تغييرًا ملحوظًا، فإن هذه المرحلة المهمة سوف تنتهي من حياته دون أن يتقدم خطوة إلى الأمام، وبالتالي سوف تضيع كل الميزانيات التي تصرفها الدولة والجهود التي تسخرها لأجل التعليم العالي هباءً منثورًا، فيخرج جيل يحمل الشهادة الجامعية لكنه غير متوائم مع المرحلة والتطلعات، سواء على المستوى الاجتماعي أو المهني. * بالمقابل إذا كانت الأمور تسير وفقًا لخطط علمية متكاملة ومدروسة، وخطوات ممنهجة، يقوم على تخطيطها وتنفيذها نخبة من أبناء الوطن المخلصين، وتتم متابعتها وتقييمها فإننا سنجني أطيب الثمار إن شاء الله تعالى، ولا يمكننا أن نغفل مدى التطور الذي نعيشه في مجال التعليم العالي، لا سيما فيما يخص استحداث الجامعات الناشئة في مناطق المملكة، وإنشاء المشاريع العملاقة في تلك المناطق لتكون المدن الجامعية التي يتم تشييدها الآن شواهد شاهقة شامخة على اهتمام القيادة بالتعليم العالي في الوطن، ويبقى الجانب المهم الآخر ألا وهو العمليات الأكاديمية واختيار أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، ودراسة الأنظمة واللوائح والسياسات المتبعة، ومحاولة تطويرها لتواكب المرحلة الحالية على مستوى العالم. * كم يحزنني حقيقة أن تبقى جامعة من الجامعات السعودية فترة طويلة من العام الجامعي دون أن يتم تعيين مدير لها، فيتم تسيير الأعمال في الجامعة بطريقة التكليف المؤقت بكل سلبياته التي قد تعيق العمل وتؤدي إلى التراجع والتقهقر إلى الوراء، فلا يمكن لمدير جامعة كبيرة أن يديرها بثقة وثبات وهو يعلم أن بقاءه بقمة هرمها مؤقت إلى إشعار لا يدري متى يحين، فيؤثر هذا في قراراته ويدفعه إلى تأجيل الكثير من القرارات الحاسمة والعديد من اعتماد الخطط والبرامج احتمالًا لتعيين مدير جديد قد لا يناسبه توجه معين، أو قرار أو خطة عمل، وبالتالي ستضيع كل جهود المدير المكلَّف واجتهاداته سدى. * ألا يحق لنا أن نتساءل بعد أن تطالعنا الصحف بأخبار عن جامعات سعودية تحمل لقب (مدير جامعة مُكلَّف) ونسأل وزارة التعليم العالي حول هذا الموضوع؟ فالوضع لا يقبل أنصاف الحلول خصوصًا في المجالات العلمية التعليمية ويحتاج إلى حسم من قبل الوزارة، فلماذا يتم تأخير تعيين مديري الجامعات عند انتهاء تكليف أحدهم؟ - هل تنتظر الوزارة إلى أن تنتهي التكليفات الحالية ثم تبحث عن البديل المناسب؟! - أليس بوسعها الوقوف على الأمر قبل أشهر من انتهاء التكليف الحالي؟ ودراسة إمكانية التجديد من عدمه؟ واختيار الأنسب في حال اتخاذ قرار التغيير في أي جامعة؟! إننا حين نتحدث عن أمر يهم التعليم العالي في بلادنا، فإن هذا لا يعني تحاملنا على الوزارة، لكننا نسعى أولًا وأخيرًا إلى الوصول لمستوى الطموح والتطلعات، فالعالم يسير إلى العلا، فلماذا نؤجل نحن قرار اختيار القيادات المناسبة لجامعاتنا..! * وفي هذا السياق أوجه رسالة واضحة لجميع طلاب الجامعات وطالباتها وهم الآن في قاعات الاختبارات النهائية أن يضعوا المستقبل نصب أعينهم، وأن يعملوا على تطوير أنفسهم بأنفسهم، فطالب التعليم العالي قادر على البحث والاطلاع والتزود بالمعرفة والعلوم، فالتعليم في هذه المرحلة العمرية المتقدمة أصبح مسؤوليتهم وليس مسؤولية غيرهم؛ كما كانوا صغارا، فبإمكانهم التزود بمختلف العلوم والمعارف من خلال مصادر المعلومات المتاحة في هذا العصر وعدم الاكتفاء بالمحاضرات الأسبوعية التي قد لا تقدم لهم القدر المطلوب من المعرفة في مجال تخصصاتهم العلمية الدقيقة، فعلى الطالب أو الطالبة أن يمضي غالب وقته في الاطلاع والبحث والتحصيل العلمي وتطوير القدرات الذاتية، وعدم الانزواء في قاعة المحاضرات وتلقي العلم تلقينًا من الأستاذ الجامعي، إذ من يقبل أن يقبع بهذه الصورة السلبية فهو بذلك يُحجِّم من قدراته العقلية ونابغته الفكرية ويُضيّق مداركه ويَحدّ من أفقه وخياله وإبداعه.. وبالتالي يتحول إلى وعاء بسيط يجمع المعلومات مؤقتًا إلى حين الخروج من بوابة الاختبار ثم يفقد كل شيء!! وبذلك هو لا يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام. * عودًا على بدء، آمل من وزارة التعليم العالي التحرك السريع تجاه انتقاء القيادات الفذة للجامعات السعودية، وهذا مطلب مهم للغاية، فكل يوم يمر على جامعة دون مدير رسمي، هو هدر للوقت والجهد والمال.. والله المستعان.