في كتاب لسيد قطب عنوانه: «في التاريخ فكرة ومنهاج» يقترب بفكره مع التفسير المادي للتاريخ في الماركسية، فهو يرى أن ما يسميه الأدب الإسلامي مهمته الرئيسية هي تغيير هذا الواقع وتحسينه، والإيحاء الدائم بالحركة الخالقة المنشئة بصورة متجددة الحياة، وقد يلتقي في هذا –كما يقول- مع الأدب أو الفن الموجه بالتفسير المادي للتاريخ، يلتقي معه لحظة واحدة ثم يفترقان، وهذه هي عباراته ذاتها، لهذا التقارب الذي لاح له، وإن كانت الثورة الإسلامية في إيران قد ولدت مصطلحاً مشتقاً من الكبر، تتهم به الولاياتالمتحدةالأمريكية والغرب هو الاستكبار، فأصبحت تنعتهم بقوى الاستكبار، وأفرادهم بالمستكبرين، فسيد قطب يصك في هذا الكتاب مصطلحاً آخر يلبسه ثوباً مزيفاً يدعي نسبته للإسلام، وهو (الاستعلاء)، من خلال تبشيره بما أسماه «الصحوة» التي يرى أن الدافع إليها عقيدة المسلمين القوية العميقة، التي لم يستطع الاستعمار قتلها على الرغم من جهود الاستعمار الفكري والروحي والاجتماعي والسياسي، فيقول: (هذه العقيدة التي تدعو معتنقيها إلى الاستعلاء، لأن العزة لله ولرسوله – صلى الله عليه وسلم – وللمؤمنين، كما تدعوهم إلى المقاومة والكفاح لتحقيق هذا الاستعلاء، وعدم الخضوع للقاهرين، أيا كانت قوتهم المادية، لأن القوة المادية وحدها لا تخيف المؤمنين بالله، جبار السموات والأرض، القاهر فوق عباده أجمعين، ومثل هذه الأفكار التي سادت في مرحلة تكاد أن تنتهي اليوم، لفشلها الذريع في تحقيق ما رفعت من شعارات، وما سعت لتحقيقه سياسياً لجامعة أو حزب من أهداف فالإسلام لم يطلب قط من المؤمنين به الاستعلاء على الخلق، وإن كانوا من الأعداء لهم، بل إنما نال المسلمون الأوائل لدى الخلق الحظوة فاتبعوهم، عندما دعوهم إلى اعتناق الإسلام بسبب خلق التواضع، الذي كان لهم سلوكاً، يستمدونه من قدوتهم سيدي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم– الذي كان يتواضع للخلق، حتى يتواضع لمن أخذته الرعدة هيبة له – صلى الله عليه وسلم – عند لقائه فيقول له: «هوّن عليك، لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد، بأبي وأمي هو من رؤوف رحيم بأمته، حريص عليهم، لا يرضى لهم العنت ولا ما يجلبه لهم من أفكار أو مواقف غير مسؤولة، وحينما دخل مكة منتصراً وفاتحاً بأمر ربه، على هيئة تظهر للناس أن خلقه عليه الصلاة والسلام التواضع لا الاستعلاء، وقد حنى رأسه تواضعاً لله عز وجل، حتى قال سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبطنه على راحلته متخشعاً، ودخل كبار أصحابه البلاد التي افتتحوها عنوة، وهم يزفون لها تواضعهم الظاهر، في بساطه ملبسهم وأدواتهم، ورقة طبعهم، وإنصافهم وعدلهم مع عدوهم، امتثالاً لأمر ربهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، والعزة المطلوبة لله ولرسوله – صلى الله عليه وسلم – وللمؤمنين لا تقتضي استعلاء أو تكبراً، إنما هي عزة يحمون بها دينهم ثم أوطانهم وكراماتهم، لا بما يستعلون به على الخلق كما تصور أصحاب هذا الفكر الذي أضر بمجتمعاتنا الإسلامية، ولعل بعض هذه الأفكار والتي يطلقها غير متخصصين في العلم الديني هي ما أفسدت على المسلمين حياتهم في العصور المتأخرة، وعرضتهم لعداء الأمم من حولهم، ولم تمكنهم قط من حماية دينهم وأوطانهم وأنفسهم، فليس بالاستعلاء ينتصر المسلم على عدوه، فهل ندرك هذا هو ما أرجوه والله ولي التوفيق.