كنت أتمنى أن توفر كل الحروف والمقالات التي كتبت عن «تويتة» الشيحي صالح حول ملتقى المثقفين السعوديين الثاني إلى أن تتحول تلك المقالات إلى حديث عن الملتقى ذاته، وعمّا دار في جلساته العلمية من نقاش وما طرحت فيه من أوراق عمل، دون أن ينصب الحديث على 140 حرفًا، نابعة من سطوة الإعلام التفاعلي الجديد، وهي سطوة آنية لا تلبث أن تختفي في ظلّ بقاء حقيقي وواضح لما انطلقت منه هذه السطوة، وللحدث الذي فتح مجالًا لهذا الحديث أن يوجد، ولمثل هذا النقاش الهزيل حول قضية «المرأة» أن يكتب. كنت أتمنى أن يكون الحديث حول واحد من المحاور التي تطرق إليها الملتقى، فكثير من المحاور بحاجة ماسة إلى التوسع فيها، وما دار في الجلسات بظني لم يكن سوى إضاءات يمكن أن تستثمر في النقاش والحوار، بل إن كثيرًا من المداخلات التي تبعت تلك الجلسات كانت بمثابة أفكار جديدة تضاف لما طرح. إن جلسة مثل جلسة «المراكز الثقافية» كانت كفيلة بأن تستوعب كل هذا المجهود من النقاش والحوار حول قضية فارغة، ومدعوها فارغون، فالفكرة جديدة، والوزارة تسعى إلى تنفيذها على أرض الواقع، والتصورات حولها مازالت تتراوح بين أنماط عربية من هذه المراكز أو أنماط غربية، ولذلك كانت أوراق العمل ملبية لهذا الجانب، وطرح بعض المتداخلين رؤى وأفكارًا تختلف عما وجد في تلك الأوراق، وخرجت لنا إحدى التوصيات بإنشاء هذه المراكز الثقافية في مدن المملكة المختلفة، وأحسب أن الوزارة ما زالت بحاجة ماسة إلى نقاش مكثف حول هذا المشروع، وكيف يمكن أن يكون تصوره على أرض الواقع. إن غياب الرؤية الثقافية الواضحة من قبل بعض المنتمين للثقافة ممن أطلق عليهم الوسط الثقافي «مثقفين» تظهر جلية في نقاش مثل موضوع «المراكز الثقافية»، بل وتظهر في موضوعات أخرى ناقشها الملتقى مثل موضوع «المكتبات العامة»، و»المهرجانات الثقافية والأسواق القديمة»، و»الفن التشكيلي»، و»الصناعات الثقافية»، و»الفنون الأدائية»، وغيرها من الموضوعات الأخرى الثقافية التي لم يتطرق إليها الملتقى وتندرج في صياغة الاستراتيجية الوطنية للثقافة. هذا الغياب للرؤية الثقافية، تتبعه أمور أخرى تفتقد إليها الثقافة وعناصرها في آن واحد، ومن ذلك غياب التخطيط التنظيمي للثقافة، وصياغة الرسالة، والأهداف، والجواب عن سؤال حقيقي لماذا الثقافة؟، وما المشروع الثقافي الحقيقي الذي علينا القيام به؟، وفهم الواقع والمكون الثقافي للبلد أو لأي منطقة فيه، وبالتالي انعكس كل ذلك على الصورة الثقافية الكلية، وظلت هذه الصورة مترهلة، ومتأخرة، وفوق ذلك كله يمارس عليها ضغط داخلي وخارجي، وأصحاب الشأن الثقافي في حالة غياب وغيبوبة عن كل ذلك. كما أن موضوع التوصيات هو الآخر بحاجة إلى نقاش وإلى سؤال وإلى طرح أفكار وتوسيع رؤية لكل توصية خرجت من الملتقى، مع الإلحاح المتزايد والإصرار المتواصل على التنفيذ، والتذكير بكل مشروع في كل وقت وحين، لتصبح كل توصية واقعًا ملموسًا. كان على صالح الشيحي أن يفجر رأيه حول المرأة والوضع الثقافي من وجهة نظره عبر جلسة كانت بعنوان «دور المرأة الثقافي»، وأن يقول رأيه حول المرأة ووضع بلادنا الثقافي سءهناك، لكن يبدو أن الشيحي لم يكن حاضرًا تلك الجلسة، وبقي في فندق «الماريوت» مثلما بقي الكثير من ال1200 مثقف ومثقفة، والذين لم يشاهدوا في جلسات كثيرة. وكان عليه أن يقول ما قاله في أنّ ما شاهده في بهو الفندق تغريب، ودعوى للمشروع التغريبي في السعودية الذي روج له البعض من قبل الشيحي، وكانت جلسة مثل جلسة «العلاقات الثقافية الدولية» ربما تستوعب النقاش في هذا الجانب، وأن يطرح وجهة نظره في ذلك، لأن هذه الجلسة خصصت لاستيعاب جميع وجهات النظر تحت هذا العنوان، فالبعض يرى بأهمية هذه العلاقات، والبعض الآخر يرى الانكفاء على النفس والاعتماد على ما لدينا. كان غياب المثقفين والمثقفات المدعوين لحضور الملتقى عن حضور الجلسات هو الحدث الأبرز في الملتقى، ولم يكن ما قاله الشيحي في «تويته» هو الحدث الهام، فلقد كان غياب المثقف والمثقفة عن الجلسات أمر محل استغراب، ومثار سؤال، وظلّ عدد محدود بل ومتكرر في أغلب الجلسات والنقاشات هم من يتداخل، ويتناقش، ويتحاور، ويتساءل حول كثير مما جاء في أوراق العمل، و»الشيحي» بنفسه واحد من ضمن آخرين لم نسمع له مداخلة، أو نقاشا، أو تساؤلا! الملتقى وبرغم توزيع كم من الدعوات إلاّ أن جلساته كان مفتوحة للجميع للحضور والاستماع والمداخلة والمناقشة، والرياض بوصفها المكان الذي عقد فيه هذا الملتقى، فهي تحوي بين جنباتها كم من المهتمين والمشتغلين بالثقافة والأدب والتراث والحداثة والأصالة والمعاصرة والموسيقى والتشكيل، إلاّ أننا لم نشاهد من هذا الكم إلاّ القليل، ولو حضر الأغلب أو الجميع أو النصف لكنا شهدنا نقاشات عديدة، وسمعنا مقترحات كثيرة، وكانت مسودة صياغة التوصيات طويلة، لتخرج التوصيات في النهاية متعددة الأطياف والتوجهات والرؤى والمشارب والأفكار. لكن للأسف أننا لم نشاهد كل هذا الطيف الثقافي في البلد يتقوقع أو يتجمع إلاّ حول ما قاله الشيحي، فظهرت الآراء المختلفة، والمقولات المتعددة التي تمثل كل جهة أو تيار أو فرد، ما بين موافق ومهدئ ومعارض ومتشنج ومتزن، ولم توجد في جنبات الملتقى والجلسات وورش العمل، ويكون لها صدى في التوصيات. ولا أدري ما الذي سيحمله الملتقى بعد عامين، وهل سيدعى الشيحي أم لا، بحجة أنه يفضح «المثقفين»! (*) إعلامي