• الحقيقة أن العالم الغربي يجهل حقيقة الإسلام ولهذا السبب يستعصى عليه فهمه • الإسلام هو ديانة توحيدية تندرج في استمرارية الديانتين التوحيديتين الأخريين • السلفية خير تعبير عن وسطية الإسلام وقدرته على التوفيق بين الإيمان والانفتاح • من المهم التذكير بأن الشيخ عبدالوهاب لم يكن زعيم مذهب ولا حتى زعيم ملة ابن تيمية كان يعاني من الهامشيين المحسوبين على الإسلام الذين شوهوا فكره أمريكا أرادت أن تجعل من الإسلام كبش المحرقة لتبرير تحركاتها الإمبريالية ما يهدد العالم ليس صراع الحضارات بل العولمة التي تنحو باتجاه المادية يجب أن نحيي العمل الذي قام به الملك عبدالله بالحوار فيما بين الأديان في كتابه الجديد المعنون ب «الإسلام: مستقبل السلفية بين الثورة والتغريب» يتناول أكاديمي العلوم السياسية ومدير معهد الدراسات الجيوسياسية في باريس د. شارل سان برو، عددًا من القضايا المتصلة بطرح رؤية مغايرة لوجهة النظر الغربية عن الإسلام، يخلص من خلالها إلى نتيجة مهمة مفادها أن السلفية تمثل «الإسلام الصحيح»، وهي ليست متزمتة كما يحاول أن يشيع عنها خصومها، ولا علاقة عضوية لها بالإرهاب، وأهم التحديات التي تواجهها هي التغريب والفكر المتطرف. الهجمات التضليلية في المقدمة أوضح سان برو الهدف من الكتاب قائلًا: «يهدف كتابي هذا إلى الرد على الهجمات اللا مبررة والتضليلية ضد الإسلام وإلى محاولة تصويب الأفكار، والواقع أن العالم الغربي يجهل حقيقة الإسلام، ولهذا السبب يستعصي عليه فهمه، واعتقادي أن أول هدف يقوم على الحث على فهم أفضل لحقيقة الفكر الإسلامي، وعلى تبيان أنه لا يمكن الخلط بين الإسلام وتيارات أقلوية تتميز بالمذهبية الثورية أو الإرهاب، لهذا السبب كرست قسما لا يستهان به من كتابي لدراسة العقيدة الإسلامية وللتعريف بالتطور الفكري والاجتماعي - السياسي، والقانوني للفكر الإسلام منذ القرون الأولى للإسلام حتى يومنا هذا وقد بينت أن الإسلام هو ديانة توحيدية تندرج في استمرارية الديانتين التوحيديتين الأخريين فالهدف الرئيس لكتابي هو الحث على فهم الإسلام إذ بفضل الفهم والمعرفة يمكن العمل على السير قدما في حوار الحضارات أقول ينبغي فتح حوار مثمر مع دين يجمع مليار ونصف رجل وامرأة. الانحرافات المتطرفة وقد استعرض برو مراحل التطور التاريخي والاجتماعي والسياسي والقانوني للفكر الإسلامي، منذ القرون الأولى للإسلام وحتى اليوم، ليخلص من ذلك إلى أن السلفية الإسلامية تشكل أفضل رد على الانحرافات المتعصبة والمتطرفة وعلى ممارسات التغريب التي تسعى إلى أفكار الحضارة الإسلامية وتأثيرها الفاعل والقوي في مسيرة الحضارة الإنسانية وأن السلفية هي خير تعبير عن وسطية الإسلام وقدرته على التوفيق بين الإيمان بالعقيدة الثابتة والانفتاح على مظاهر التطور عبر ممارسة الاجتهاد الذي يشكل مبدأ الحركة في بنية الشريعة الإسلامية. ويوضح في هذا الصدد أن الجماعات المنحرفة والسيئة والجاهلة قد استغلت عبارات إسلامية كثيرة وعمدت إلى تحريفها، ويحاول المتطرفون الثوريون والمنحرفون إضفاء مظهر إسلامي براق على أنشطتهم مستخدمين عددا من العبارات التي أصبحت رهينة لديهم كالسلفية والجهاد، وأنه من الأهمية التوضيح أن هذه ليست سوى اختلاقات وهذا ما يتيح التأكيد على أن الإسلام لا علاقة له بالتعصب أو التطرف وأنه دين تسامح ووسطية. مفكر سلفي ويتناول برو بالشرح والتحليل تجربة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ويكتب تحت عنوان «أصول الإصلاح» أن دعوته الإصلاحية التي انتشرت، تعرضت لكثير من الأكاذيب التي حاولت تصويره «كزعيم مذهبي» وليس مفكرًا سلفيًا مصلحًا و مجددًا، قاد صحوة لتجاوز حالة الجمود الفكري في فهم الإسلام الصحيح بوسطيته السمحة ومبادئه السامية من أجل بناء دولة إسلامية حقيقية ترفض البدع والخرافات والمعتقدات التي تناقض الدين والعقل معًا في حقبة كانت قد تراجعت فيها جذوره الإسلام والفهم الصحيح لتعاليم الدين، ويقول: »ثمة الكثير من الأكاذيب المختلقة حول فكر الشيخ عبدالوهاب ومن المهم التذكير بأنه لم يكن زعيم مذهب ولا حتى زعيم ملة، بل هو مفكر سلفي ينتمي إلى المذهب الحنبلي إنه أحد أوائل المصلحين الحداثيين ففي الحقبة التي تراجعت فيها جذوة الإسلام دعا الشيخ عبدالوهاب إلى التجديد مرتكزا في ذلك على العودة إلى سيرة السلف إنها الصحوة التي حث عليها عبدالوهاب الذي تأثر بحركته الإصلاحية الكبرى كل من الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا، وأنه من الضروري في أيامنا هذه أن تنتشر الحركة الإصلاحية التي تحمل في طياتها الدعوة إلى اعتماد الاجتهاد في العالم الإسلامي لمواجهة تحديات عالم الحداثة، فالرد على هذه التحديات ليس بالإرهاب الذي يذكرنا بتعصب الخوارج ولا بالتغريب الذي يعني فقدان الهوية الإسلامية والتخلي عن القيم الخاصة بالإسلام، الرد هو الاجتهاد الذي يرتكز على إيجاد حلول تتكيف مع المشكلات بل على احترام قيم وعقيدة الإسلام. إصلاحية تجديدية ويركز المفكر الفرنسي في الكتاب على نقطتبن أساسيتين: الأولى: تأكيده على الطبيعة التجديدية للسلفية، فالكتاب يقوم على فرضية أن السلفية دعوة إصلاحية تجديدية، وأن التجديد فيها نابع من طبيعة الإسلام ذاته الذي يشتمل على عوامل التجديد الذاتي. فالسلفية إنما هي تفعيل لتلك العوامل، التي تحاول الحركات التقليدية أو الحركات الثورية تعطيلها لمصالحها الخاصة. بل إن المؤلف زاد بأن حاول تلمُّس بعض الارتباط بين السلفية وبعض خصائص الحداثة (ص 30-31) مع أن الشائع، وربما المسلَّم به لدى كثير من الباحثين حتى ممن تربوا في أحضان السلفية (ولو جغرافيًا!) قد يؤكدون أن أول خصائص السلفية هي مصادمتها للحداثة. السبب في ذلك أن المؤلف نظر إلى جوهر الحداثة وفكرتها الأساسية، بينما نظر أولئك إلى «شكليات» الحداثة. ويقول في صفحة 268 موضحًا: «هي إذًا فكر تقدمي منفتح على الإصلاح، شريطة التأكيد على أن الإصلاح لا يعني الإنكار أو المجازفة أو الهرطقة، بل بالعكس، ينبغي أن يستند الإصلاح على أساس صلب...»، وينقل عن مينوريه قوله: «من المستحيل القول بأن هذا المذهب الذي طالما اتهم بنوع من الهرطقة، يمقت التفكير المستقل أو الفكر النقاد. وهذا يذكر بمقولة الإمام أحمد - رحمه الله - عندما قيل له عن أحد أصحابه إنه ينكر كذا وكذا مما يروى، فقال: «لا نزال بخير ما دام فينا من ينكر». ظهور الأزمات يؤكد المؤلف أن السلفية تظهر وقت الأزمات، يقول ناقلًا عن المستشرق (لاوست) إن الحنبلية «في كل مرحلة تأزم فكري وأخلاقي تكون الحنبلية «السلفية» في أساس كل محاولة لنهضة الإسلام وتنقيته من الشوائب البدعية... » وذلك، من وجهة نظري، راجع إلى أن التجديد وإعادة البناء الذاتي المنطلق من الداخل، والذي جزء منه التخلص من ضغوط الخارج، إنما هو مكوِّن رئيسي من مكونات السلفية، وفي هذا السياق يشير إلى ارتباط نهضة الإسلام وتجديده بالدور العربي (ص 37، 335)، وفي المقابل يؤكد الدور الفارسي في التشيُّع الغالي (ص 88، 89) وما نتج منه من حركات إرهابية. ومع التأكيد على استبعاد الحس العنصري، فالمتأمل يرى أن كل حركة تجديدية انعزلت عن الطبيعة العربية الفطرية المؤطرة للإسلام ببساطته لا بد وأن تقع في شيء من النقص أو الانحراف. التغريبيين المتهافتين الثانية: تأكيد برو المتكرر على عدم ارتباط السلفية بالفكر الإرهابي الخوارجي المتطرف، ونقده المتسرعين في ذلك الربط بمجرد رؤيتهم بعض النقول عن ابن تيمية أو محمد بن عبدالوهاب في كتب بعض من يتخذهم المتطرفون أئمة في العصر الحديث. فالمؤلف يقرر بشكل واضح أن الإرهاب «الإسلامي» قديمًا وحديثًا ليست له علاقة بالسلفية، بل هو مرتبط بفكر الخوارج الذي عانى منه المسلمون منذ فجر الإسلام، ومرتبط بفكر مجموعات معاصرة مأزومة وموجهة (أو مخترقة) سياسيًا. أو فكر حركات شعوبية فارسية تحديدًا كانت تعمل كجناح مسلح لبعض الفرق البدعية، ويقول في (ص 200) مركزًا على ابن تيمية: «من هنا برزت مقولة ابن تيمية المتطرف التي يروِّج لها بعض الناشرين المعاصرين الذين لم يكلفوا أنفسهم، كما يبدو، عناء دراسة هذا المؤلف بصورة جدية، وسرعان ما صدقوا «النصوص المختزلة التي رددها أفراد أو جماعات راديكاليون بقدر ما». والواقع أن ابن تيمية كان يعاني من أتباعه المزعومين الجدد، ومن بعض المتطرفين الثوريين، ومن الهامشيين المحسوبين على الإسلام الذين يرجعون إليه مشوِّهين فكره... »، ويؤكد أيضًا ص 413 أن بعض قراء ابن تيمية من المتطرفين المعاصرين غلطوا في فهمه، بل فهموه بصورة مغايرة تمامًا لما كتبه ابن تيمية، وينقل عن البروفيسور يحيى ميشو أن «هذه الانحرافات الفكرية الواضحة (في فهم كلام ابن تيمية)، التي - تكفي قراءة النصوص للاقتناع بذلك - لم تمنع بعض التغريبيين المتهافتين أو شبه المشككين من عد ابن تيمية أحد رواد التطرف القدماء». خصائص السلفية وحاول شارل برو في كتابه عن السلفية بعد سبره أصولها والأطوار التي مرَّت بها، أن يحدد «خصائص الإصلاح السلفي» كما يراها. وساق ص 347 ست خصائص يتميز بها الفكر الإصلاحي (السلفي) وهي: العودة إلى الأصول، والرد على تحدي الغرب، ودور التربية، وفريضة الاجتهاد، ووحدة المسلمين، وتكافلهم. والحقيقة أن هذه الخصائص تنبئ عن تحليل دقيق لحركات الإصلاح السلفية، وفهم موضوعي للمبادئ التي قامت عليها. الخاصية الأولى هي العودة للأصول، وهذا قد يكون بدهيًا، وواضحًا من خلال الاسم ذاته (سلفية). فالركيزة الأولى في أي حركة إصلاح سلفية (تجديد) هي العودة بالإسلام على مستوى تفكير الناس وممارستهم لأَصْلَي الإسلام: الكتاب والسنة. والخاصية الثانية: الرد على تحدي الغرب. فالمؤلف يرى أن هذه سمة تشترك فيها كل الحركات الإصلاحية المنتسبة للسلفية. والذي يظهر لي أن هذا وإن بدا واضحًا في العصر الحديث، لكنه ليس مقتصرًا على الغرب، بل هو سمة لازمة للحركات الإصلاحية (التجديدية) السلفية على مرّ العصور، فهي دائمًا، بحكم اعتمادها على الأصول وبحكم أن إصلاحها نابع من واعز ذاتي، تنزع إلى التخلُّص من المؤثرات الخارجية، لأنه غالبًا تتعاضد في حرف التدين عن مساره الصحيح مؤثرات داخلية وأخرى خارجية. فالتعاطي مع التحديات الخارجية جزء لا يتجزأ من عملية الإصلاح. وقد رأينا هذا في وقوف أحمد بن حنبل في وجه الجهمية (أهل الكلام)، وفي وقوف ابن تيمية في وجه الفلاسفة ومن تابعهم من أهل الكلام. وفي العصر الحديث أخذ الفكر الغربي مساحة كبيرة من فكر التجديد. العلم الشرعي الخاصية الثالثة: دور التربية، فالحركات الإصلاحية السلفية دائمًا حركات تقوم على العلم الشرعي، أو على الأقل يكون لها رافد كبير منه. بل كلما اقتربت الحركة التجديدية من السلفية زاد اعتمادها على نشر العلم الشرعي وتربية الناس عليه على مستوى الفكر وعلى مستوى السلوك. وهذا ظاهر في حركة التجديد التي قادها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إذ كان تعليم الناس ونشر الوعي و«كشف الشبهات» من أصول منهج الدعوة فيها. والسبب فيها راجع للخاصية الأولى، فمن دون العلم ومن دون رفع الوعي لدى الناس والحس النقدي، لا يمكن الرجوع للأصل. فالناس عادة يتركون أصل الدين إذا طغت العادات أو آراء البشر المحضة على الأحكام المستندة إلى الكتاب والسنة. وهذا قد يكون هو السبب في أن خصوم دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب كانوا يرمونه بأنه يعد نفسه مجتهدًا مطلقًا، ويشجع أتباعه على الاجتهاد، ولا يحترم العلماء! فهو يريد أن يُخرج مجتمعًا واعيًا على مستوى العلم الشرعي، وهو ربما ما يعبّر عنه في أدبيات الدعوة ب «البصيرة»: «قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله... ». والذي تميَّزت به السلفية والمنهج الأثري عمومًا هو أن العلم يقصد به بالدرجة الأولى العمل، ولذلك كان العرف أن من تعلَّم شيئًا من السنن أو الأحكام (حتى لو لم يكن من «العلماء») يجب عليه أو على الأقل يتوقَّع منه أن يعمل به، لأن التزكية لا تكون إلا بالعلم الصحيح والعمل الصواب. فالتربية تقوم على قاعدتين: العلم والعبادة. التحديات الخارجية الخاصية الرابعة: فريضة الاجتهاد، والمؤلف أفردها خاصية مستقلة ربما لأنها فعلًا سمة بارزة في علماء السلفية. لكنها يمكن أن تكون مضمنة في الخصائص السابقة، أو ثمرة لها. فلا إصلاح ولا تجديد ولا يمكن التعاطي مع التحديات الفكرية الخارجية ولا يمكن ممارسة التربية بشكل صحيح إلا بممارسة الاجتهاد، فلكل عصر خصوصيته ومستجداته، ولكل مجتمع حاجاته و«نوازله»، ومن قواعد الشريعة الأساسية التيسير ونفي الحرج، فلكي يكون الإسلام حيًا ومؤثرًا في حياة الناس لا بد من ممارسة الاجتهاد بالرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وعلمائها. الخاصيّتان الخامسة والسادسة: وحدة المسلمين وتكافلهم، وهاتان أيضًا خاصيتان أساسيتان في دعوات الإصلاح السلفية، بحكم أن المؤمنين إخوة وأن الأمة واحدة. فهما تندرجان تحت مفهوم الأمة أو مفهوم الجماعة. وقد يكون سبب عدم ظهورهما في الدعوات السلفية المبكرة وبروزهما في العصر الحديث هو وضع المسلمين، بحكم أنهم مستضعفون في كثير من بلدان العالم، وكذلك تفرقهم في دول متشتتة. فلذا كانت الدعوة إلى التضامن والوحدة والتذكير بمصير الأمة الواحدة ظاهرة في الحركات التجديدية المعاصرة. صدام الحضارات ويتطرق المؤلف إلى أيديولوجيا صدام الحضارات فيبين أن صدام الحضارات هو أيديولوجيا ولدت من رحم الولاياتالمتحدة التي أرادت أن تجعل من الإسلام كبش المحرقة لتبرير تحركاتها الإمبريالية في العالم العربي- الإسلامي ويؤكد أن ما يهدد العالم ليس صراع الحضارات بل العولمة التي تنحو باتجاه المادية والفردانية وفقدان القيم الأخلاقية والروحية، إن جميع الحضارات مهددة بالمادية لذا عليها أن تتكاتف وتتحاور للمحافظة على قيمها وعلى التنوع الثقافي في العالم، ويجب على المثقفين ورجال الدين والجامعيين المسلمين والمسيحين أن يكثفوا لقاءاتهم ويتحاوروا فيما بينهم، يجب أن نحيي العمل الذي قام به الملك عبدالله عاهل المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بحوار الحضارات والحوار بين الأديان، ومن الأهمية بمكان أن يكرس خادم الحرمين الشرفين الجهود لتطوير العلاقات بين العالم المسيحي والعالم الإسلامي، ويجب تأسيس منتدى للحوار الإسلامي- المسيحي يلتئم بصورة منتظمة ويلعب دوره إزاء وسائل الإعلام ورجال السياسة بهدف تطوير الحوار، ويجب أيضًا أن تكرس المناهج التعليمية والتربوية في البلدان الغربية المزيد من المجال لدراسة موضوعية للإسلام وحضارته وفكره وأعتقد في المقام الأول أن دور الأكاديميين هو الأكثر أهمية في تشجيع المعرفة والحوار.