ختم المؤلف كتابه بالتحديات التي تواجه السلفية في العصر الحاضر، وأجملها في تحديَين. الأول التغريب، وما يتعلَّق به من تذويب الهوية، وما يستلزمه من الولوج في دوامة المصطلحات. والقارئ يلاحظ أن شيطنة الآخر، أو تشكيل العدو من خلال «حرب» المصطلحات عانت منه السلفية حتى في عصورها السابقة، وهو ما لم يُشِرْ إليه المؤلف. فقد كان من استراتيجيات التيارات غير السلفية في خصومتها للسلفية إطلاق الألقاب، مثل الحشوية، المجسمة، الظاهرية (أي الحرفية، وليس المقصود ظاهرية ابن حزم)، ونحو ذلك، من الألقاب التي يراد لها أن تكون مسوِّغاً للهجوم الجائر أو الإلغاء. فالسلفية تحتاج دوماً أن توجد آليات للحفاظ على الهوية، ومواجهة أساليب تذويبها. ولا شك أنها من خلال خصائصها التي ذكرها المؤلف وغيرها وروحها التجديدية قادرة على ذلك. وهذا مرتبط بالأثر الخارجي. التحدي الثاني هو الإرهاب وهو مرتبط بالأثر التخريبي الداخلي، فالإرهاب لديه آليات للاستغلال الظاهري والمغلوط لبعض خصائص السلفية وآليات عملها، لتوظيفها لأغراض وأيديولوجيات تخالف أصول السلفية. ولذلك كان من السهل توظيف تلك المجموعات الإرهابية سياسياً، وحرفها عن المسار الصحيح. ويبقى التحدي قائماً كما كان دائماً قائماً في وجه السلفية، هل ستتمكَّن السلفية في العصر الحديث من التغلُّب على هذين التهديدين؟ السلفية بخصائصها في ما أعتقد قادرة على ذلك وهو ما يؤيده المؤلف، لكن يبقى الإشكال هل يكون هناك علماء ومفكرون وقادة رأي قادرون على بلورة هذه الخصائص على شكل آليات عمل فاعلة؟ ومن خلال ما تم عرضه أتوقَّع أن يكون هذا الكتاب فاتحة عهد جديد للتعاطي مع الفكر والتجديد السلفي في عصر ما بعد الحداثة، ينهي عصوراً من المعاناة ليس من الأبعدين فقط بل حتى من الأقربين.