· ليس من قبيل المبالغة القول أن العنف بجميع صوره اللفظية والجسدية أضحى ملمحاً أساسياً في حياتنا .. ويكفي مطالعة ما يحمله الإعلام من حوادث للدلالة على أن العنف بات الطريق المفضل للكثيرين لحسم خلافاتهم .. والمؤسف أن المؤسسات التربوية لم تسلم من هذه الظاهرة .. فبعد أن كان العنف في السابق يقتصر على ما يمارسه بعض المعلمين تجاه طلابهم , امتد ليشمل العنف المتبادل بين الطلاب, أو بين المدرسين أنفسهم, بل إنه وصل حداً أصبح فيه الطلاب وأولياء أمورهم يمارسون العنف ضد المدرسة والمدرسين.. والإحصاءات تشير إلى تضاعف العنف المدرسي أربع مرات خلال السنوات السبع الأخيرة، لتصل في منطقة الرياض وحدها إلى 4528 حالة.. كما تفيد الإحصائية نفسها أن هذه الظاهرة لم تعد مقتصرة على الذكور فقط، بل وصلت إلى مدارس الجنس الناعم ! . فهل يعود هذا إلى تيار العنف المجتمعي الجارف ؟ .. أم يعود إلى عوامل بنيوية خاصة بالمؤسسة التعليمية نفسها ؟. الإجابة قد تكون الاثنين معا, ولكن من المهم في إطار البحث الاجتماعي النظر في الأسباب الخاصة, أكثر من الاختباء خلف الأسباب العامة التي تصلح تفسيرا لظواهر عدة. · لابد أولاً من التفريق بين عمليتي التربية و التعليم.. فإذا كان التعليم هو عملية اكتساب للمعارف والمعلومات.. فان التربية هي عملية شاملة تضم إلى جانب التعليم بناء قيم إنسانية وتكوين مهارات رأي واتجاهات إيجابية .. ولاشك أن التعليم المجرد قد يكسب الطالب بعض المعارف والعلوم.. لكنها تبقى دون انتظام في نسق فكري يساعد الطلاب على تكوين اتجاهات إيجابية لتطوير ذواتهم ومجتمعاتهم , وهذه إحدى أهم وأخطر الإشكاليات التي تعاني منها النظم التعليمية العربية منذ عقود.. فعملية تعليم بلا تربية لا تفرز في النهاية إلا أشخاصاً يحفظون أكثر مما يفكرون ويستنبطون.. أشخاصاً ينسبون الصواب لأنفسهم والأخطاء لغيرهم, وينشغلون بمشاريعهم الشخصية على حساب العمل الجماعي, والأهم أنهم في الغالب لا يجدون رابطاً بين كل ما تعلموه وبين سلوكهم الشخصي, فمضمون التربية الأخلاقية والإنسانية هنا غائب أو مغيب .. وهي ذات الإشكالية التي أفرزت ذلك التراجع الكبير في تقدير الأسرة والمجتمع للمدرسة .. بعد تحولها من مؤسسة تربية وتكوين إنساني إلى مجرد مكان للتلقين والحفظ، فلا غرابة إذن في تعاظم مشاهد العنف في مؤسسة لم يعد التلميذ فيها يمثل أكثر من اسم في الكشوف..أو رقم في جهاز الحاسوب!! · إن الاهتمام بالقيم التي تعزز الوجود الإنساني وتشكل وعيه ، هو الركيزة الأولى لكل التحولات المنشودة ، من خلال غرس قيم واتجاهات إيجابية في نفوس النشء .. وتربيتهم على التسامح, وقبول الآخر, وإدارة الاختلافات سلميا بدلا من اللجوء إلى العنف .. كل هذا لابد أن يتم داخل مدرسة تقوم على المشاركة, يكتسب الطلاب فيها ثقافة العمل الجماعي ، يختلفون حينا, ويتوافقون أحيانا, لكنهم يجب ان يعرفوا في نهاية المطاف أن المشاركة لها تقاليد وقواعد أهمها احترام إرادة الأغلبية,.. والانفتاح على المجتمع, بالمشاركة في الجهود التطوعية والتنموية , فرسالتهم وان كانت تبدأ في المدرسة, إلا أنها لا تنتهي بها, فدورهم الأساسي في المجتمع, وهو ما يجد معه الطالب معنى حقيقياً لكل ما يتعلمه داخل المدرسة . · إن استعادة الدور التربوي للمدرسة أمسى ضرورة في ظل تعاظم دور مفرزات ومحفزات العنف في المجتمع ..فدور المدرسة الحقيقي يكمن في العمل على ترسيخ التربية الروحية والإنسانية للطالب, أما التعليم فلا بد ان يأتي في إطار عملية تربوية متكاملة, وليس منفصلا عنها.