تزعم الروايات في كتب التراث بأن فرعون تعرض للطم من قبل النبي الكريم موسى عليه السلام، وأن فرعون قرر البطش بموسى، لأنه هو العدو الذي كان يبحث عنه، لولا أن أشارت عليه (زوجته آسية) أن يقرب لموسى تمرة وجمرة، (وفي رواية جواهر)، فإنَّ اختار التمرة؛ فقد استحق العقاب وإن اختار الجمرة فلا خوف منه، لأن اختياره للجمرة تظهر بأنه طفل صغير لا يدرك. ثم تسير الإسرائيليات في غيها فتزعم بأن موسى التقط الجمرة ومضغها؛ ولهذا أصبح مصابًا بداء اللثغة وعدم القدرة على الكلام. وهذا الكلام قد لا يكون دقيقاً، لأن فرعون رجل مجرم ليس في قلبه ذرة رحمة على الأطفال مثل بطشه بأولاد بني إسرائيل، ناهيك بولد غريب شكله يشبه أبناء بني إسرائيل؛ فالزعم بأنه قربه من وجهه لكي يقبله، زعم ينافي حقيقة فرعون، والمؤكد هو أن زوجة فرعون هي التي اتخذته ابنًا لها دون فرعون المجرم. كما نسي مؤلف الرواية بأن يحبك القصة؛ فتقول بأن موسى الطفل الصغير حمل الجمرة بيده، ووضعها في فمه، ولو حدث هذا فعلاً لقام الطفل الصغير بإلقاء الجمرة من يده سريعاً لشدة حرارتها، التي كانت ستأكل أصابعه قبل أن يفكر في مضغها، وقد يقول البعض بأنها معجزات؛ فنقول لماذا لم تشمل المعجزة حماية موسى من تقرح لسانه وعدم إصابته بداء اللثغة الذي جعل فرعون يسخر منه بسببها فيما بعد. بل تشير الروايات على عكس ذلك، تشير بأن موسى كان سليم اللسان وفصيحاً، وأن سبب هذه الإعاقة لحظي ووقتي، يحدث في حالات نادرة، مثل تصادمه مع فرعون المجرم المجادل بالباطل والسخافة، فتظهر (فأفأته) وهذا ما حدث مع موسى عليه السلام عندما طلب منه الملأ أن يصرف عنهم العذاب نتيجة صلفهم، فرفع عنهم العذاب ثم جادله فرعون بجدال سخيف سببت له عودة اللثغة. وهذا ما يعرفه موسى عليه السلام جيداً عن نفسه، فكان يعلم أنه عندما يضيق صدره تعاوده الفأفأة، فلهذا دعا موسى ربه (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي* وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي) طه. وهذا ما كان يفعله هارون عليه السلام فعندما يستشعر ضيق صدر موسى كان يتدخل مباشرة ويبدأ بالحديث. بل قالها موسى صراحة، فقال: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ* وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ) الشعراء. وبهذا يتضح بأن موسى لم يكن يعاني من علة جسدية متمثلة في لسانه. ولو أردنا أن نستشهد من القرآن الكريم على فصاحة النبي الكريم موسى عليه السلام لطال بنا المقام. علي موسى - جدة