المتابع لحركة الآثار والسياحة في المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، يلحظ الاهتمام الكبير الذي باتت توليه الهيئة العامة للسياحة والآثار بهذا الجانب، من حيث صيانتها وترميمها والمحافظة عليها من العبث والطمس، وسعيها في تسجيل بعض المواقع الأثرية لدى اليونسكو بوصفها الجهة العالمية الراعية لآثار الحضارة الإنسانية.. ويجيء هذا السعي اتساقًا مع رؤية تحويل هذه المناطق الأثرية والسياحية إلى مورد اقتصادي يساهم في الدخل القومي للمملكة.. وفي هذا الإطار تحدث ل»الأربعاء» الدكتور هباس الحربي مدير الإنتاج الإعلامي بالهيئة العامة للسياحة والآثار، وصاحب كتاب «التسويق السياحي في المنشآت السياحية»، مشيرًا في مستهل حديثه إلى أن التسويق السياحي يشكّل الأداة الرئيسة التي تساهم في خلق وتعزيز الطلب على المنتجات السياحية من خلال الكشف واستثارة الحاجات النفسية لدى الفئات المستهدفة والعمل على تحويلها إلى دوافع للسلوك الشرائي الموجه للحصول على الخدمات السياحية التي تساهم في إشباع الحاجات والرغبات وتحقق مستويات عالية من الرضا عن جودة المنتجات السياحية المعروضة. ماضيًا إلى القول: ونظرًا لأن البرنامج التسويقي المتميز يخلق الاتصال المستمر بين صناعة السياحة ومستهلكيها، فإن هذا يقتضي من المنشآت السياحية تطوير خطط استراتيجية لتسويق المنتجات السياحية تأخذ في الاعتبار تحقيق التنسيق والتكامل بين جميع المؤسسات والهيئات المسؤولة عن النشاط السياحي على المستويين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني. صعوبة التسويق وحول التسويق السياحي ومدى مساهمته في تزايد الطلب على المنتجات السياحية، يضيف الحربي بقوله: إن المنتج السياحي في المملكة تتجاذبه عدة جهات (حكومية وخاصة) مما يصعّب عملية تسويقه، خصوصًا وأن المنتج السياحي كصناعة في المجتمع السعودي مازالت وليدة سنوات قليلة، ولأن الخدمات والتسهيلات قيمة غير ملموسة ومن الصعب التنبؤ بمستوى نوعيتها أو جودتها وإدراك السائح لها، ولهذا يصبح رضاء المستفيدين جزء هام لا يتجزأ من المنتج، لكن هناك جهود ملموسة في أدوات التسويق السياحي ساهمت في زيادة الطلب على المنتجات السياحية المحلية خلال الفترة القليلة الماضية منذ نشأة الهيئة، ونتمنى أن يتطور هذا الطلب خلال الفترة المقبلة. معوقات السياحة ويمضي هباس في حديثه متطرقًا للمعوقات التي تقف أمام الجذب السياحي في المملكة قائلًا: يعتبر مفهوم السياحة بالنسبة للمجتمع السعودي في المملكة حديثًا من حيث استخدامه، إذ كان الاستخدام السابق المتداول للسياحة الخارجية، وقد يكون من المعوقات عجز المنشآت السياحية القائمة في الوفاء بمتطلبات الأسرة السعودية؛ حيث تشير الدراسات التي قامت بها الهيئة إلى أن المجتمع يرى أن الظروف السياحة في الدول التي يستهدفونها للسياحة تعد أكثر ملائمة لأفراد العائلة، كما أن هناك العديد من الأسباب التي تعوق السياحة سواء الخاصة بالسائح ومنها التكلفة، النفقات، عدم وجود الوقت، الأوضاع الأسرية، عدم الاهتمام، ومنها ما يتعلق بالمنشآت السياحية وما توفره من احتياجات تلبي حاجة السائح المحلي من فعاليات وأنشطة تجعله يعمل على تفضيله للمنتج السياحي المحلي دون غيره، كما يضاف إلى ذلك الثقافة السياحية لدى المجتمع السعودي في اختياره لقضاء إجازته السياحية (الوقت، المدة، وسيلة النقل، الأنشطة، إلخ)، يضاف إلى ذلك عدم التخطيط المبكر مما يؤدي إلى إرباك في حجوزات الطيران وارتفاع تكلفة السكن والمواصلات وغير ذلك. تجربة قصيرة ويتابع الحربي حديثه متناولًا افتقاد الشركات السياحية في المملكة لعنصر التسويق السياحي بقوله: حقيقة الأمر أن التسويق السياحي أصبح من العناصر الأساسية التي تعتمد عليها الدول السياحية بشكل عام والشركات السياحية بشكل خاص لزيادة نصيبها من الحركة السياحية الدولية التي تتزايد وتتنامى عاما بعد عام، وأصبح التسويق السياحي فرعًا مستقلًا عن التسويق العام؛ نظرًا للطبيعة المتميزة للنشاط السياحي والمنتج السياحي الذي يتميز عن السلع المادية، ونظرًا للأهمية التي اكتسبها التسويق السياحي مع زيادة شدة المنافسة بين الدول السياحية للاستحواذ على أكبر نصيب ممكن من الأسواق المصدرة للسائحين أصبح نجاح التسويق السياحي مقياس نجاح الدولة السياحية في تحقيق أهدافها السياحية المتنوعة، ويعتبر التسويق السياحي عاملًا أساسيًا لتحقيق التنمية السياحية في الدول نظرًا لما يقوم به من دور هام في تعريف وترويج المنتج السياحي وإقناع العملاء الحاليين والمرتقبين بالتعرف على المنتجات السياحية وزيادة الطلب على الخدمات السياحية، هذا علاوة على الدور البارز الذي يلعبه نشاط التسويق السياحي في تخطيط وتطوير وتصميم المنتج السياحي. ومع الجهود والأدوات التسويقية التي تقوم بها الهيئة العامة للسياحة والآثار إلا أن تلك الجهود لا تقابلها من القطاع الخاص جهود تسويقية، ليس إيمانًا من تلك المنشآت بالتسويق السياحي، وإنما يرجع السبب في اعتقادي إلى اعتماد الوكالات السياحية على التسويق السياحي الخارجي في الفترة الماضية، بالإضافة إلى أن صناعة السياحة بالنسبة للمملكة عمرها ليس بالمدة التي يمكن فيها قياس نتائج التسويق السياحي. مقومات تاريخية وأثرية ويعود هباس إلى القول: اتسمت الحياة في المملكة بمواصفات مميزة تنبع من الالتزام بتطبيق حياة التكافل والتواصل النابعة من الدين الإسلامي، والضيافة العربية الأصيلة، وتميزت العلاقات المتبادلة بين أفراد المجتمع المحلي بالانسجام والتعاون لاعتماد كل منهم على الآخر في تأمين الاحتياجات الضرورية. ولقد زاد الاهتمام بتنمية الحركة السياحية في المملكة في السنوات الأخيرة، لما تحظى به من عوامل جذب سياحية متنوعة لا تقل عن تلك الموجودة في بعض البلدان السياحية المتقدمة، ولقد أصبحت السياحة في المملكة جزءًا من السياسة التنموية التي تنتهجها الدولة في خطط البلاد التنموية الخمسية، كما أن إنشاء الهيئة العامة للسياحة والآثار أعطى الصناعة دفعة قوية في تأسيسها. وشهدت السياحة تطورًا نوعيًا ملموسًا في مجال الخدمات المساندة للنشاط السياحي، وعقدت الندوات، وأدخلت برامج تعليمية وتدريبية ذات علاقة بالسياحة، كما أن اشتمال المملكة العربية السعودية على عدد من المقومات التي تعد أساسًا في بناء سياحة ذات دخل قومي متميز، ومن تلك المقومات، المقومات الطبيعية بمزاياها المختلفة، وكذلك المقومات التاريخية والأثرية والتي تتمثل في العديد من الحضارات والتاريخ الإنساني من خلال المعالم الأثرية التي تعطي معرفة على حياة المجتمعات السابقة، والمناطق الأثرية في المملكة الغنية بقيمها الإسلامية والتاريخية حيث الآثار في المدينتين المقدستين مكةالمكرمة والمدينة المنورة، ومدائن صالح والآثار اللحيانية في منطقة العلا وسوق عكاظ والسدود الأثرية بمنطقة الطائف، بالإضافة إلى المدن التاريخية والأثرية المنتشرة في المناطق مثل الأخدود في نجران وقرية الفاو وغيرها من المناطق الأثرية. إحصاء ودراسة ويكشف الحربي عن الإحصاءات حول التسويق السياحي في المملكة في سياق قوله: المنتج السياحي يمثل في الواقع، مجموعة من التسهيلات والخدمات التي تستخدمها شريحة محددة من السائحين في منطقة إجازة معينة، ولهذا فهو تركيبة تشمل الموقع والمقومات ووسائل الجذب والنقل والإقامة والترفية. ويتوقف تكوين المنتج السياحي على مستوى ووفرة المقومات والتسهيلات وعوامل الجذب التي تتوفر في المنطقة كما يتأثر بكيفية واستغلال هذه العناصر، وكلما انفردت منطقة الإجازة بعوامل جذب لا يمتلكها المنافسون أو تتواجد لديهم وإنما بمستوى أقل كلما أمكن طرح منتج سياحي متميز وبالمثل كلما تنوعت هذه العوامل فإن إمكانية تكوين أنماط متعددة من المنتج السياحي تصبح متاحة مما يعتبر ميزة هامة. وتشير الإحصاءات إلى إعلان المجلس العالمي للسياحة سنة 1994 م بأن السياحة أكبر الصناعات العالمية دخلًا للاقتصاد القومي، وتشير التوقعات إلى وصول عدد السياح سنة 2020 م إلى 1.6 بليون سائح بنسبة 3.5 من إجمالي عدد سكان العالم، وسيصبح شرق آسيا يضاف إلى الولاياتالمتحدة كثاني أكبر سوق سياحي عالمي. وما يقدمه مركز ماس التابع للهيئة العامة للسياحة والآثار من دراسات حول المقومات السياحية لدليل قوي على اهتمام المملكة بهذا المنتج، كما أن هناك دراسات متخصصة وشركات في المجال الإعلاني، ونتمنى أن يدخل ضمنها المنتج السياحي؛ مما يساعد المتخصصين في هذا المجال بالثراء العملي والعلمي.