شكل الانسحاب الأمريكي فرصة سانحة لإيران للاستفراد بالعراق، فيما هيمنت الطائفية السياسية والمسلحة على الأجواء في البلد الشقيق، بما قاد إلى ما شاهدناه من تطورات مؤخرًا، حملت مؤشرات لمرحلة جديدة تضع العراق مرة أخرى فوق بركان الطائفية، بينما تشهد العاصمة العراقية بغداد عشرة تفجيرات في يوم واحد أمس يسقط بسببها أكثر من ستين قتيلاً وقرابة مائتي جريح، ما يضاعف احتمالات عودة البلاد إلى المشهد الدموي في أعنف صوره. لا بد للمراقب أن يربط بين تلك التفجيرات، وبين سعي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هذا الأسبوع إلى التخلص من نائبيه السنيين فيأمر باعتقال نائب رئيس الوزراء طارق الهاشمي (السني) بتهمة تدبير اغتيالات وتفجيرات، فيما يطالب البرلمان بسحب الثقة من النائب السني الآخر (صالح المطلك) لأنه شبه المالكي بصدام حسين، فاستبعاد نائبي الرئيس العراقي السنيين يحمل نزعة طائفية قد تشير إلى محاولة للاستفراد الطائفي بالعراق، وتكريس نظام يدين بالولاء المطلق للفقيه الولي في قم. ما يزيد من مخاطر المرحلة التهديدات المبطنة التي وجهها المالكي لحكومة كردستان بضرورة تسليم الهاشمي لمحاكمته في طهران، بما يحمل نذر مواجهة جديدة، لا يمكن التنبؤ بنتائجها المأساوية. الأزمة العراقية الراهنة التي افتعلها نوري المالكي تصادف فيما يبدو هوى طهران، فيما يتصاعد التذمر الداخلي وبالأخص من المحافظات ذات الأغلبية السنية (الأنبار، صلاح الدين، نينوي، ديالي) على إثر إقصاء نائبي الرئيس السنيين بما قد يدفع في اتجاه تصعيد الأوضاع الداخلية، خاصة إذا ما طبق نواب في كتلة (العراقية) تهديدهم بسحب وزرائهم من الحكومة، لينفرد المالكي بالحكم. استقرار العراق حيوي للمنطقة كلها، وهو لن يستقر بغير اصطفاف وطني لا طائفي، يضع مصالح العراق الوطن لا الطائفة فوق كل اعتبار، ويدعم انتماء العراق إلى الأمة العربية، ويصون الهوية العربية للعراق.