يعتبر الفنان فهد خليف من الفنانين السعوديين الشباب الأكثر إنتاجاً، وصاحب منجز تشكيلي متطور بمرحلية منطقية ونمو منهجي جعل منجزه متسلسلًا وينمو بشكل تراكمي، وهذا الاشتغال المضني على منجزه كان بشكل جدي وعميق، وطوّر من أدواته التقنية بكثرة المراس التشكيلي والإنتاج، كما ساهمت ثقافة فهد خليف الجيدة في تشكيل ملامح أعماله، وجعلت منها بيانًا وخطابًا متطورًا متجذرًا بمفردات تراثية في مظهريتيها، وحديثة وذاتية في مجملها. عادة ما تكون اللغة التشكيلية مثل المكتوبة لها مفرداتها وأبجدياتها وقيمها البلاغية، ولدى الفنان فهد خليف لغته التشكيلية الخاصة، التي ساهمت في تشكيلها قدرته وتمكنه في العمل الواقعي، واختياره بعناية لمفردات عمل على النحت فيها وتشكيلها بإتقانٍ وتفانٍ، ضاربًا بكل ما يقال بأنه يكرر ذاته ويعيد رموزه عرض الحائط، فما عاب اللغة الصينية من قال وهو جاهل بها أن حروفها متشابهة ومتكررة، وهي من أكثر لغات العالم أبجدية.. والمفردة لدى فهد منحوتة بعناية؛ لأنه باختصار يعمل بوعي لما يريد أن يصل إليه، فأنتج أبجديته التي يبني بها أعماله بكل تمكّن وإتقان، فغدت لوحاته ملحمة يبني فصولها بمفردات متفردة لا تخص إلا فهد ذاته، ومتاحة لكل متلقٍ أن يقرأها بسلاسة، وتصل له برسائل سهلة ممتنعة في نفس الوقت. وربما تكون دلالة المفردة عند فهد تتقاطع مع غيره؛ فالحصان والوجوه والأشخاص والطائر والأسماك والزخارف الشعبية والخط العربي وغيرها من المفردات التي يستخدمها متاحة ومشاع استخدامها لكثير من الفنانين، ولكن الخصوصية لدى فهد تكمن في اشتغاله عليها، ونحت تفاصيلها بشكل دقيق، مما أكسبها حضورًا متفردًا، فأصبحت رموزًا معروفة وواضحة؛ ولكن بهوية فهد، وبحضور شخصيته وروحه في هذه الرموز، التي أحالها إلى أبجدية، بل مفردة في خطابه البصري المبني بتماسك ورزانة وتفرد، رغم محدودية رموزه إلا أنه ينشرها بغزارة على سطح عمله في خطاب ذي بنائية ومعمارية ذات نسيج قوي ومتجانس في وحدة واتزان يعطي ثراء بصريًا للمتلقي، كما أن الرقش والنقش والزخرفة التي يضيفها لكثير من أعماله أعطت إيحاء بأن أعماله إنما هي أثر على جدار الذاكرة بشكل أحالها لمجموعة أحافير تدثرت حينًا بدرجات اللون البني وحينًا آخر تأكدت بأثرها الذي اختط وسط العجائن التأسيسية للعمل. أما اللون عند فهد فالبرغم من حضور مجموعة البنيات والرماديات بشكل دائم في معظم أعماله؛ ولكن ذلك لم يمنعه من أن يتوسّع في ألوان بالتيته من إدخال جميع الألوان بتمكن وتوزيع فني أخرجه من دائرة الصباغة إلى دائرة فتنة اللون ونبضه، فاللون لدى فهد ينبض بإيقاعات الحياة رغم تسيّد الألوان الحيادية عليها، ولكنها ألوان حيوية ومنتشية، كما أن تجاور مجموعة لونية مع أخرى أعطى خطًا محددًا لأشكاله، وأصبح اللون يخلق خطًا وهميًا أو مؤكدًا بين عناصر العمل الواحد، وأعطت لمسات اللون الواحد أو المجموعة اللونية التي يستخدمها بعدًا ومنظورًا جديدًا يقع بين البعد الثاني والبعد الثالث للعمل، كل هذا الإبداع توجه باعتنائه بكل تفاصيل عمله بدقة عالية حتى في مسألة إخراجه وعرضه لأعماله.