السائل (معاذ عبدالله) يقول: أنا أحبُّ اللّغة العربية، وأريد أن أعلم أبنائي غريب اللّغة، وألزمتهم بأن لا يتكلموا إلاّ بالفصيح بحسب ما أسمعهم، هل ترى شيخنا الفاضل في ذلك من جدوى؟ الفتوى 25: على الخبير سقطت، وعلى المجرِّب وقعت، وإنك لَسَؤُول.. إنّ اللّغة بنتُ المحاكاة، فما يسمعه الوليدُ عربيًّا كان أو عَجَميًّا هو الذي يحكيه، بل إن علم النفس المعرفي اليوم يقول: إنّ الجنين في بطن أمِّه يتأثّر بما يسمعه. فاللّغات واللّهجات بأنواعها يعود نطق الناطق بها إلى السّماع، ولو أنّ إنسانًا جمع عددًا من الصّبية، كاللّقطاء مثلاً، وجعلهم في دارٍ لا يخالطهم فيها إلاّ مَن ينطق بفصيح الكلام، وغريب الألفاظ، وأسمعهم شعر الجاهليِّين، وأخبارهم، وسمّى لهم الأشياء بأسمائها في تلك العصور الغابرة، ونثر لهم غريب المعاجم نثرًا، لنشأ أولئك الصِّغارُ كما نشأ صغار الجاهليِّين، وصاروا كبارًا ككبارهم في اللّغة والنطق، على أن يكون مَن يخاطبهم صحيح النطق، سليم الأداء، وإنّك لتجد الوافدين من غير العرب إذا خالطوا غيرهم من العرب تنفتق ألسنتهم عن لهجةٍ كلهجتهم، وهمسٍ كهمسهم، وإن شئتَ سمعتَ منهم عنعنة قيسٍ وتميم، واستنطاء الأزديين، وكشكشةَ أسد، وكسكسةَ ربيعة، وفحْفَحةَ هذيل، وعَجْعجة قُضاعة، ووكَم بني كلب، ولخْلخانية عمان، وطُمطُمانية حِمْيَر، ولسمعتَ منهم ترقيق الرّاء المفخمة إذا كانوا بمكة، وإمالة الألف وهاء التأنيث في الوقف إذا كانوا في لبنان، وتصغير الألفاظ تحبيبًا وتمليحًا إذا كانوا بنجد، وهدوء النطق والأناء في الإجابة إذا كانوا مع أهل القصيم. وأخبرني بعض الأصحاب عن طلبة علم وفدوا من بُخارى أو ما حولها، قال: فسمعتهم يقولون: (دُوك ها الغضيِّرة الصغيِّرة)، أي: خذ هذه الغضارة الصغيرة، وإذا ناديتَ الواحدَ منهم، قال: سَمّْ. أو قال: لبّيك. وكل هذا لا غرابة فيه، فاللّغة كما قدمنا بنت المحاكاة، والنطق وليد السّماع، ألم ترَ إلى أنّ الأبكمَ لا يتكلّم؛ لأنه لم يسمع شيئًا يقول مثله، وإلاّ لتكلّم على نحو ما سمع.. وللجواب تتمة.