تتعدد اللهجات باختلاف البلدان والشعوب، وليس هذا غريباً أن نجد في بلد واحد تعدد اللهجات حسب المناطق. واللهجة استعمال خاص للغة في بيئة معينة فنجد هناك تمايزاً ما بين لهجة الحضر ولهجة الريف وما بين لهجة الشمال ولهجة الجنوب. يقول الأستاذ إبراهيم مدكور في مقدمة كتاب (لهجات العرب) لمؤلفه أحمد تيمور باشا، بأن اللهجات وليدة ظروف مختلفة جغرافية واقتصادية وسياسية واجتماعية، فللبيئة والوراثة شأن في اختلاف التكوين الطبيعي لأعضاء النطق وتباين الأصوات، وهناك لهجات غازية تفرض سلطانها على اللهجات المغزوة، ومظاهر ذلك واضحة ومعروفة في الماضي والحاضر. وللعربية لهجاتها قديماً وحديثاً، فإلى جانب لهجة قريش عرفت في الجاهلية لهجات أخرى في الشمال والجنوب كلهجات تميم وقضاعة وسبأ ومعين، وإذا كان ما وصلنا من أدب جاهلي قد اتسم خاصة بلهجة قريش فما ذلك إلا لأنه قدر لها أن تسود فصارعت اللهجات الأخرى وتغلبت عليها وأعانها على ذلك ما للكعبة من قدسية، وما للقرشيين من منزلة، وما أحرزته هي من نصر في الأسواق التجارية والأدبية، ومع هذا لم يخل الأدب الجاهلي من مخلفات اللهجات غير القرشية وأوضح ما يبدو أثرها في المترادفات والأضداد والقراءات السبع وما جاوزها والشواهد النحوية واختلاف مدلولها. ولم تدرس اللهجات العربية الدرس الكافي الوافي حتى اليوم، وليس بعسير دراسة اللهجات القديمة لعدم توفر المصادر، فكل ما وصلنا منها نقوش قليلة وروايات في كتب اللغة والنحو وعلم القراءات. وسنسلط الأضواء في عجالة على أنواع هذه اللهجات ومنها: 1 - القطعة: في القاموس وشرحة القطعة أيضاً (لثفة) في بني طي، كالعنعنة في تميم، وهي أن يقول (يا أبا الحكا) يريد (يا أبا الحكم) فيقطع كلامه وهو مجاز، وفي اقرب الموارد نقل العبارة إلا أنه رسم (يا أبا الحكا) بالهمزة. 2 - العجعجة: في قضاعة يبدلون الجيم من الياء، كفقيمتي: كفقيمتج، وحجتج، في حجتي. 3 - العنعنة: ابدال العين من الهمزة، في القاموس وشرحة: وعنعنة تميم: ابدالهم العين من الهمزة، يقولون: (عن - موضع: أن) وأنشد يعقوب: فلا تلهك الدنيا عن الدين واعتمل لآخرة لا بد عن ستصيرها يريد: (أن). قال الفران: لغة قريش ومن جاورهم وتميم وقيس وأسد ومن جاورهم يجعلون ألف (أن) إذا كانت مفتوحة عيناً يقولون (أشهد عنك رسول الله) فإذا كسروا رجعوا إلى الألف. 4 - الكشكشة: ابدال الشين من كاف الخطاب: في القاموس وشرحة: الكشكشة في بني سعد كما قال الجوهري، أو: في ربيعة كما قال الليث: ابدال الشين عن الكاف المؤنث خاصة، كعليش ومنش وبش في: عليك ومنك وبك في موضع التأنيث وينشدون للمجنون: فعيناش عيناها وجيدش جيدها.. ولكن عظم الساق منش رقيق ويزيدون (شين) بعد الكاف المجرورة مثل: عليكش، وفي قول المجنون: ونادت اعرابية جارية (تعالى إلى مولاش يناديش) أي مولاك يناديك. 5 - الكسكسة: قلب كاف المؤنث سيناً، في القاموس وشرحة: الكسكسة لغة تميم لا لبكر كما زعم ابن عباد، وانما لهم الكشكشة باعجام الشين وهو الحاقهم بكاف المؤنث سيناً عند الوقوف دون الوصل، يقال: اكرمتكس، اي اكرمتك، ومنهم من يبدل السين من كاف الخطاب فيقول ابوس وأمس أي: ابوك وامك. 6 - التلتلة: كسر أول حروف المضارعة: حكى بعضهم قال: رأيت اعرابياً متعلقاً باستار الكعبة وهو يقول: (رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم) فكسر التاء من تعلم. 7 - الطمطمانية والطمطمة: وهي ابدال اللام ميماً. 8 - الوكم: كسر الكاف المسبوقة بياء أو بكسرة. 9 - الوهم: كسر الهاء في الكلمة. 10 - الاستنطاء: جعل العين الساكنة نوناً، وفي القاموس: وأنطى: أعطى، قال الجوهري هي لغة اليمن. 11 - الوتم: قلب السين تاءً، كالنات: أي الناس. وهناك لهجات أخرى مثل: اللخلخانية، والعجرفية، والتضجع، والغشغشة، والغمغمة، والفرانية، والفحفحة، وسنأتي على ذكرها في موضوع لاحق.