ليلة الثلاثاء 11 المحرم 1433ه احتفى المثقفون والمفكرون والأدباء والعلماء والأكاديميون بأكبر جائزة ثقافية وعلمية وأكاديمية تشهدها مدينة جدة على الإطلاق، وهي جائزة تجاوزت حدود المحلية إلى الإقليمية والعالمية، ولم يمنحها أشخاص محليون أو مؤسسات محلية، بل منحتها مؤسسات عالمية مرموقة لا تمنحها إلا لمن يستحقها حول العالم وبشروط قاسية للغاية وضوابط صارمة ومعايير عالية، ومتابعة دقيقة لا تقتصر على المكاتبات والإنترنت بل تعتمد على الزيارات الشخصية والتدقيق البالغ من قِبَل خبراء دوليين وعلماء مفلّقين ذوي شأن وبال في جميع أنحاء المعمورة. هذه الجائزة هي: حصول كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة على شهادة الاعتماد الأكاديمي الدولي (AALE). وقد يسأل سائل: وماذا في ذلك، وقد حصلت جهات ومؤسسات أكاديمية وغير أكاديمية على شهادات اعتماد دولية عالمية عدة قبل ذلك بكثير ومنها كليات في جامعة الملك عبدالعزيز نفسها قبل ما يقرب من عقد من الزمان. فكيف تكون هذه الشهادة بمثابة الجائزة الثقافية والعلمية الكبرى بجدة؟ والجواب على هذه الأسئلة متعدد الجوانب: أولها: أن هذه الشهادة هي الشهادة الأولى التي تعطى لكلية آداب في المملكة على الإطلاق، ومعلوم أن جامعات المملكة بها عدة كليات للآداب وبعض هذه الكليات منافس قوي لكلية الآداب بجامعة المؤسس، ومع ذلك كانت الكلية أولى كليات المملكة على الإطلاق التي تحصل على هذه الشهادة، وهذا السبق في حد ذاته إنجاز ما بعده إنجاز: (والسابقون السابقون). والجانب الثاني: أن هذه الشهادة هي الثالثة التي تعطى لكلية آداب في العالم العربي كله الذي فيه كليات مضى على تأسيسها مئات السنين قبل عشراتها في جامعات أقدم من جامعة الملك عبدالعزبز بكثير ولها سمعتها العريضة في العالم كله، ومع ذلك جاء ترتيب كلية الآداب بجامعة الملك عبدالعزيز الثالث بين هذه جميعًا، والجانب الثالث: أن شهادة الاعتماد الأكاديمي الدولي أعطيت لكل برامج وتخصصات الكلية البالغة (15) برنامجًا دفعة واحدة، وهو ما لم يحدث من قبل إلا في القليل النادر، فقد مُنحت أقسام في كليات أخرى الاعتماد دون أقسام، أو تتابعت شهادات الاعتماد على الأقسام والبرامج ولم تمنح دفعة واحدة كما حصل في كلية الآداب وهو أمر لافت يضيف الكثير إلى قيمة هذه الشهادة. الجانب الرابع: أن هذه الشهادة العالمية رفيعة المستوى تؤكد أهمية العلوم الإنسانية في الأوساط العلمية العالمية خاصة في العالم المتقدم، ومعلوم أن ميزانيات كليات الآداب والعلوم الإنسانية عمومًا تفوق ميزانيات كليات الطب والهندسة والعلوم وما شابهها في أوروبا وأمريكا، ويشمل ذلك بالطبع تخصصات الأديان والتأريخ والجغرافيا والاجتماع واللغات والإعلام والفلسفة وعلم النفس إلى آخر قائمة التخصصات الإنسانية. ويُنظر إلى هذه التخصصات على أنها تمثل العمق العلمي الاستراتيجي للدول وواجهتها الفكرية المشرّفة، فتباهي كل دول العالم قبل أي شيء بأدبائها ومفكريها وفلاسفتها ومؤرخيها وجغرافييها وعلماء الدين والاجتماع وسواهم. ولا ينتقص ذلك بالطبع من قدر علماء الطب والهندسة والتقنية والحاسب الذين ينهضون بالتقدم المادي للأمة بينما ينهض علماء الإنسانيات بالتقدم الفكري والفلسفي والاجتماعي والذوقي والنفسي للأمة، وكلاهما مهم للغاية، ولقد بذلت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبدالعزيز جهودًا لا يمكن وصفها في التحضير لخوض غمار هذه التجربة العلمية الباهرة، واستمرت هذه الجهود لسنوات عمل فيها كل منسوب لهذه الكلية بما في ذلك العمادة والوكالات ورئاسات الأقسام والأساتذة والإداريون والفنيون وسواهم. وبتوجيه دائم من معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور أسامة بن صادق طيب وسعادة وكيل الجامعة للتطوير الأستاذ الدكتور زهير دمنهوري، وبمتابعة يومية - دون أي مبالغة - من سعادة عميد الكلية الأستاذ الدكتور محمد سعيد الغامدي وسعادة وكيل الكلية للتطوير الدكتور عبيد آل مظف، وحث حثيث من رؤساء الأقسام، وفّت الكلية بكل الشروط والمعايير والضوابط اللازمة لهذا الاعتماد الدولي، ولم نمنحه عفو الخاطر بل حل بيننا فريق أمريكي كبير رفيع المستوى مكون من عدد كبير من الأساتذة العلَّامات، في كل تخصصات الكلية، جلسوا معنا لساعات طوال ولأيام طوال وسألونا عن كل شاردة وواردة وكل صغيرة وكبيرة وكل تخصص، وكل تخصص دقيق، وعرفوا أدق التفاصيل عن طرائق وتقنيات وأساليب التدريس بالكلية ووجدوا في فريق الأساتذة السعوديين الذين تحاور معهم القدرة والكفاية والزخم العلمي الكبير واللغة الإنجليزية المنضبطة والإلمام بكل تقنيات التعليم بما لا يقل عما في أمريكا. وبناء على تلك اللقاءات المكثفة وما اطلع عليه فريق العلماء من ملفات وبيانات، كان لا بد لهذه الكلية العريقة من أن تنال هذه الشهادة العالمية المرموقة، التي هي: أعلى شهادة تعطى لكلية للآداب في المملكة والعالم العربي. وقد تزامن هذا الاحتفاء بهذا الإعجاز العالمي الكبير لجامعة الملك عبدالعزيز مع إنجازين عالميين آخرين للجامعة، لا يقلان عنه أهمية، أولهما: إنشاء «كرسيّ الأخلاق وضوابط التمويل» في جامعة السوربون بفرنسا وقد دشنه معالي مدير جامعة الملك عبدالعزيز الأستاذ الدكتور أسامة بن صادق طيب ومدير جامعة السوربون الأستاذ الدكتور جان كلود كوليارد بتمويل من الشيخ محمد بن حسين العمودي. وفي إسبانيا أطلق معالي الأستاذ الدكتور أسامة بن صادق طيب مدير جامعة الملك عبدالعزيز ومدير جامعة إدارة الأعمال بمدريد: (المركز السعودي الإسباني للاقتصاد والتمويل» بالجامعة الإسبانية بحضور معالي الدكتور أحمد محمد علي رئيس البنك الإسلامي للتنمية وعدد من الشخصيات المهتمة بالشأن الاقتصادي من المملكة وإسبانيا. وكما صرح معالي مدير جامعة المؤسس فإن هذه الإنجازات السعودية العالمية تحقق الكثير في مجال التقارب الحضاري والفكري بين الشعوب وتعتبر امتدادًا لحوار الحضارات الذي أسس له خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله.