منتدى العلاقات العربية والدولية ثمرة من ثمار الوعي الخليجي الجديد الذي يطمح إلى تقديم حفر معرفي جاد في قضايا الإنسان والتنمية في منطقة تعاني من التهابات حادة ومزمنة، عبر ترسيخ ثقافة الحوار بين الأطياف الثقافية المختلفة، بدعم من مؤسسة الحي الثقافي القطرية واستقلال تمام في ممارسة أنشطته الثقافية، وبإدارة مفكر مبدع هو الدكتور محمد الأحمري. عقد المنتدى ندوته الأولى يوم الأربعاء الماضي بحضور نخبة من مفكري دول مجلس التعاون ومثقفيه، واختار (دور التنوع المذهبي في مستقبل منطقة الخليج العربي) موضوعًا لندوته، وأدار حوله حوارًا جادًا وثريًا استمر ليومين ضمت خمس جلسات علمية، والجميل في هذا المنتدى تطلعاته المستقبلية التي تهدف إلى تجسير الفجوة بين مثقفي الخليج، و دعوتهم لتقليع أشواكهم بأيديهم بدون استشارات خارجيّة، فأهل مكة أدرى بشعابها. تلقيت الدعوة الكريمة من الدكتور الأحمري وساءني أن ارتباطاتي العلمية حالت دون مشاركتي، ولقاء هذه الكوكبة الفكرية، ولكني سعدت بمتابعة جلسات الندوة عبر الجزيرة مباشر، والبث الحي على موقع المنتدى على شبكة المعلومات الدولية. الأوراق العلمية اختلفت في قيمتها العلمية تفاوتًا كبيرًا، فهناك بحوث بذل فيها أصحابها جهدًا جيدًا، ووضعت يد القارئ على الجرح، وهناك أوراق ذابت في لغة عاطفية أحيانًا ومتشنجة أحيانًا أخرى، وأوراق ملساء أثبت أصحابها حضورهم الشخصي، واختفى حضورهم المعرفي؛ لأنهم لا يريدون أن يخسروا أحدًا. الجميل في المنتدى أنه ضم طيفًا واسعًا من مثقفي الخليج فيهم الجد والحفيد، وكلهم يجمعون أن لدينا مشكلة مزمنة هي مشكلة الصراع الطائفي بين السنة والشيعة، ويختلفون في وصف المشكلة وتفكيك بنيتها، وحسبهم أنهم اجتمعوا تحت سقف واحد يناقشون فيه مصيرهم المشترك، ويتحدثون عن ما يجمع ولا يفرق، ويكفي أن ترى الشيخ عبداللطيف المحمود رئيس تجمع الوحدة الوطني البحريني والشيخ علي سلمان الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني، يناقشان معضلة الصراع الطائفي الذي كاد يعصف بالبحرين، وما زال خلل الرماد وميض نار، ويوشك أن يكون له ضرام. إن هذا المنتدى وغيره من المنتديات يجب أن تمارس دورها بحرية تامة، وأن يلتقي فيها المثقفون والمفكرون لمناقشة واقعهم الاجتماعي بشفافية، لترسيخ ثقافة حوار، وبناء كتلة من المثقفين الذين ينشرون ثقافة الاحتجاج ويدافعون عن كرامة الإنسان ويتصدون للاستبداد في كل مكان، بمنطق حضاري يحافظ على مكتسبات الوطن ومقدراته، وينافح عن كرامة أهله، ويطالب بحقوقهم بعيدا عن لغة التخوين والقصف العشوائي، ويفضح خطط المتربصين بوحدة البلدن الخليجية التي جعلتها تحولات الربيع العربي ومواقفها تجاه بعض الحكومات المستبدة في عين العاصفة، إن ما نطمح إليه في المستقبل من المنتدى أن يقلّ المتحدثون ويكثر المحاورون، فيكتب أصحاب الرصيد الفكري الخلاق في أوراق رئيسية في عدد من المحاور، ويرشح معقبون رئيسيون على البحوث، ويفتح حوار فعال حول هذه الأوراق لأن بعض الأوراق لا تضيف جديدًا، ولا ترشد وقتًا، إن دول الخليج هي الحلقة الأضعف بين إيران وتركيا وإسرائيل، ومجابهة هذه التحديات لن تتم إلا بعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية للجميع، وهما بعد توفيق الله السلاح الذي لا يقهر في معركة لا تميز بين سني أو شيعي. Ssz1961@hotmail.com