لا يبدو - في رأيي - أن المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الفساد في بعض المجتمعات العربية، قد غيّرت كثيرا من واقع الفساد الاجتماعي والإداري، وليس واضحا في نظري آلية محاربة الفساد، أو نتائج مكافحته المرجوّة على أرض الواقع، بالرغم من إجراءات نظامية وقوانين إدارية، حرص أصحاب القرار على تطويرها ودعمها، بغية إيقاف نزيف الهدر، والحد من الاختراقات الممنهجة للقوانين، والتعديات السافرة للأنظمة من بعض المُتنفّذين. لذلك قد يُجدي نفعا مخاطبة الفاسدين المفسدين بصورة مباشرة، بوصفهم إخوانا في الدين والمواطنة، فحقُّهم النصرة ظالمين أو مظلومين، ظالمين بنصحهم بالكف عن الظلم، ومظلومين بنصرتهم على من ظَلمهم، ولعلّ تخويفهم من الله يُحرّك ما سكن من شعورهم فأقول: اتّقوا الله عزّ وجلّ، وإن قصُرت عنكم أعين الرقابة، فعين الله لا تنام، وإن غفلتم عنها في وظائفكم, فهو - سبحانه – يرى مكانَكم ويسمع كلامَكم، وإن لم تستحوا من عباده، فالله أحقّ أن تَخشوْه، فهو أهل التقوى، وأهل المغفرة. أما الأمانة التي حمّلكُم الله إيّاها، ففي أعناقكم ليوم الدين، وخيانتها خيانة للوطن، والتقصير فيها ظُلم للعباد، وفساد في البلاد، ومسؤولية لا تسقط إلا بأدائها بإتقان، أو الامتناع عن قبولها، فمن لم يجد في نفسه القوة والأمانة، فاضطلاعه بها ظُلم، والحقُّ أحقُّ أن يُتّبع، ولْيدَع أحدكم ما عجز عنه حفظا لماء وجهه، ومعذرة إلى ربّه، واتقاءَ دعاء الناس عليه، وتجنبا لتضييع حقوقهم، ولا يَغُرَّنّه تزيين أهل الفساد أعمالهم، وليستقل من منصبه، ولا يُكلّف الناس ما لا يطيقون من سوء إدارته، و إساءة سُلطته، ويعتذر لولاة الأمر، لعلّ الله يُقيّض للناس من هو أجدى لهم وأصلح. ولنتذكّر، أنّ الظُّلم ظُلُمات يوم القيامة، والرسول صلى الله عليه وسلّم يقول: «أَيُّمَا رَجُلٍ اسْتَرْعاهُ اللَّهُ عزَّ وجَلَّ رعِيَّةً، فَماتَ حِينَ يَموتُ وهُو غاشٌّ لرَعيَّتهِ، حرَّم اللَّهُ علَيْهِ الجَنَّة»، وهمسة في الآذان الصمّاء: «عِشْ ما شِئْت فَإنّك ميّت، وأحبِبْ ما شِئْت فإنّك مُفارِقُه، واعْمل ما شِئْتَ فإنّك مُجزى به» !!.