تُجمع اجتهادات المختصين الممارسين للبرمجة اللغوية العصبية، على أنها عبارة عن طريقة أو وسيلة تساعد الإنسان على تغيير نفسه، من خلال إصلاح تفكيره، وتهذيب سلوكه، وتنقية عاداته، وشحذ همته، وتنمية ملكاته ومهاراته، وفي ذات الوقت تعد وسيلة تمكن الإنسان من التأثير في غيره، فوظيفتها وظيفتان الأولى هي التغيير، والثانية هي التأثير، تغيير النفس وتغيير الغير، وتنظر البرمجة إلى قضية النجاح والتفوق على أنها عملية يمكن صناعتها، وليس هي وليدة للحظ أو الصدفة، إلى ذلك اعتبر العديد من الأكاديميين المهتمين بالبرمجة، أن آراء الشرعيين انقسمت حولها فالبعض استنكرها بالكامل، والبعض اقتصر حماسه لها على الأخذ النافع منها، وأن البرمجة لا تعد علمًا منهجيًا، مثل العلوم الإنسانية ولا توجد جامعة في العالم أجازت اعتمادها، وأن تدريسها مقتصر على المعاهد والمؤسسات الخاصة، وأنها حظيت بإقبال واسع عند بداية التعرف عليها، واشتهرت من خلال الإعلان بقدرتها الخارقة على حل المشاكل المستعصية في حياة، الإنسان ثم ما لبث أن اكتشف الأفراد قدراتها المحدودة في هذا المجال، فأقلعوا عن مواصلة الاهتمام بها، «الرسالة» استطلعت وجهات نظر مجموعة من المهتمين حول الموقف الحالي من البرمجة اللغوية العصبية فيما يلي: اعتبر د. سعيد الغامدي أن البرمجة اللغوية العصبية لا تختلف عن غيرها من الفنون التي انتقلت إلى العرب من الغرب، ففيها الصواب وفيها الخطأ وتشتمل على ما يمكن أن يكون مفيدًا وتتضمن كذلك ما يصنف على أنه ضار، وأضاف أن النظرة الموضوعية للبرمجة اللغوية العصبية، هي تلك التي تساوي بينها وبين العلوم الإنسانية في التقدير، حيث لا تعد العلوم كلها خاطئة، وإنما تتضمن كثيرا من الجوانب الصحيحة عن الموضوعات والمسائل التي تتناولها. الإنكار والقبول وحول أوجه الاعتراض على البرمجة اللغوية العصبية شرعًا، بيّن أن موقف الشرعيين يختلف من البرمجة بحسب فهمهم لها، وينقسمون في ذلك إلى فريقين الأول: ينكر البرمجة بالكامل، ويبني اعتراضه على الأفكار والممارسات والعيوب التي تتضمنها، ولست مع هذا الفريق الذي يتعصب ضدها ويعارضها بالكامل، وتساءل لماذا يوجه هذا الاستنكار إلى البرمجة من بين غيرها من العلوم التي وفدت إلينا من الغرب، بينما توجد علوم أخرى كعلم النفس يتضمن كثيرا من المزاعم والأخطاء والمخالفات، ويدرس في الجامعات على نطاق واسع وبكامل مناهجه دون اعتراض، والثاني: يقبلها في حدود الفوائد والجوانب النافعة الصحيحة التي تطرحها، في تحسين واقع الفرد من خلال دفعه إلى مراجعة قراراته واتخاذ مبادرات إيجابية جديدة، وأشار إلى أن البرمجة اللغوية العصبية انحسرت وكسرت موجتها، بعد أن شهدت إقبالًا واسعًا في بداية التعرف عليها، وأكد أن سبب الانجذاب إليها في البدء كان يعود إلى غرابتها وجدتها. ليست علمًا ومن جانبه أكد أستاذ علم النفس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالله الصبيح أن البرمجة اللغوية العصبية لم ترق من الناحية المنهجية إلى مستوى العلوم الإنسانية، ولا توجد جامعة من الجامعات العالمية تعترف بها كعلم، وأضاف أن الاهتمام بها مقصور على المعاهد والمؤسسات الخاصة، ولا يُتوقع أن يطرأ أي تطور على موقف مناهج العلم منها، لأن البرمجة قامت على الاقتباس من العلوم الأخرى، ولا تتمتع بأي استقلالية في حقل معرفي تبحث فيه، ووجودها في الواقع مقصور على التطبيق في مجال تحسين تجارب في الحياة. القدرة الخارقة ومن ناحيته أوضح أستاذ الاجتماع الدكتور عبدالله باخشوين أن البرمجة اللغوية العصبية شهدت في أول ظهورها طفرة في الإقبال على برامجها من جانب كل أطياف وشرائح المجتمع سواء الليبراليين أو الإسلاميين أو الأشخاص العاديين، وأضاف أنه تم تصويرها من خلال الداعية التي رافقت التعريف بها، كما لو كانت عصا موسى ذات القدرة الخارقة على حل كل المشاكل المستعصية في واقع وحياة الأفراد، وتحويلهم إلى أشخاص ناجحين، يتمتعون بالقدرة على السيطرة على الآخرين، والمقدرة على تحقيق الأحلام وإحراز المكاسب، وحول سلبيات البرمجة أشار إلى أنها تفتقد إلى رؤية واضحة، وأنها تضر بالإنسان، عندما تشجعه على اللجوء إلى برامجها في حل مشاكله والتغلب عليها، بدلًا من توجيهه إلى الاعتماد على نفسه في مواجهتها، وأنها قامت على تضليل وخداع الناس، الذين سرعان ما اكتشفوا أنها ليست أكثر من سراب في صحراء العدم، فانفضوا عنها بعد أن خسروا أموالهم، وأضاف أن أحد مساوئها يتمثل في انضمام غير المؤهلين علميًا إلى التخصص في برامجها. خداع وتضليل وأرجع باخشوين الرواج الكبير الذي حظيت به البرمجة بين العامة ومحدودي التعليم والثقافة، إلى رغبة هؤلاء في الفرار من الواقع المزري الذي يعيشونه، وألمح إلى أن الأشخاص العاديين تعاملوا مع البرمجة في ضوء أحلامهم وتطلعاتهم إلى تحقيق السعادة وأحلام الثراء، دون إمعان للنظر في حقيقتها، أو بناء تقييمهم لها على أساس النتائج الإيجابية التي يمكن أن تحققها في الواقع، واعتبر أن العامة وقعوا ضحية للخداع والتضليل، الذي روجت له إعلانات البرمجة في البداية حول قدرتها على تحقيق السعادة، وإزالة العقبات التي تحول بين الأفراد والوصول إلى أحلامهم. معارف مقتبسة وبدوره أطرى الإعلامي الدكتور نبيل حماد على الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في التعريف بشتى العلوم والمعارف، وأرجع أسباب الجدل الذي أثارته البرمجة اللغوية العصبية في البداية، إلى اعتقاد الناس في اعتبارها شيئًا جديدًا، بينما الحقيقة أن حداثتها تنحصر في الاسم الذي أطلق عليها فقط، وهي عبارة عن مجموعة من المعارف والممارسات المقتبسة من الحضارات الشرقية، وأوضح أن المقصود بالشرقية هو تحديد موطنها فقد كانت تمارس قبل قرون في مناطق تقع بين الهند والصين. واعتبر أن المسلمين يمتلكون أساليب البرمجة الخاصة بهم والمستمدة من تعاليم وشعائر الدين الإسلامي، وأضاف من أمثلة ذلك الدعاء والتوجه إلى الله تعالى والصلاة، وتابع أن الصلاة ذات الخشوع والخضوع عبارة عن عملية إقناع للذات بمخاطبة الله، وهي عملية تصور الهدف منها التواصل مع الله سبحانه، وكذلك تعتبر عملية استشعار لقدرة الله على التجاوب مع شتى ظروف الإنسان، وأكد أن تحفيز الذات والتأمل والتخيل من عناصر الطاقة التي تساهم في تجاوز الإنسان للأزمات التي تعصف بحياته، وتقف في طريقه. دور الإعلام وحول تقييم دور الإعلام في التعريف بحقيقة البرمجة اللغوية والعصبية، انتقد إسهامات وسائل الإعلام في هذا الجانب، وأضاف أن الإعلام اصطنع منابر من الرفض والتشكيك وعلى النقيض التشجيع والدفاع، دون الالتزام بتقديم تقييم حقيقي قائم على دراسات تحليلية، تفيد الفرد في تشكيل نظرة موضوعية إلى البرمجة، وانتقل إلى القول بأن الإعلام الإسلامي يتحمل مسؤولية جسيمة في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها الأمة، وأضاف أن الشباب يتعرض لغزو شرس في كل المجالات، وحان الوقت للإعلام لأن يقود الأمة، والتحول من ردود الأفعال إلى صناعة الأفعال، بل استباق الأفعال، فالرسول صلى الله عليه وسلم غرس في أمته روح المبادرة، وعلى الإعلام أن يعمل على توصيل هذه المفاهيم إلى المسلمين، بدلًا من الاستغراق في التركيز على الأخطاء والاتهامات وردود الأفعال، فالأمة قادرة على استعادة تحقيق نماذجها المشرقة في كل المجالات.