تحدثنا على مدار ستة مقالات عن البرمجة اللغوية العصبية، وإن كنا تكلمنا عنها بشيء قد يظن البعض ان هذا الامر سلبي برمته، فهذا غير صحيح، ولكن سوء استخدام هذا الموضوع الذي اطلق عليه البرمجة اللغوية العصبية، واصبح مهنة لمن لا مهنة له، فأصبح اشخاص غير مؤهلين لأن يعملوا موظفي استقبال في اماكن علاج، اصبحوا معالجين، وهنا الخطورة القصوى..!! فالشخص الذي يعرف حدود علمه وإمكاناته لا يخشى منه، لكن الامر اصبح فوضى صارخة، فأشخاص لا يحملون اي مؤهلات علمية، يحصلون على دورات لا اعرف كم تستغرق، اياما او ربما اسابيع او حتى اشهرا، بعد ذلك يحصل على لقب مدرب في البرمجة اللغوية العصبية، وهو لا يعرف الا القليل القليل عن هذه المواضيع التي يتحدث عنها.. وربما ظن البعض انها مثل العلاج الشعبي، فليس هناك ضرر من ممارسة العلاج عن طريق هذا الامر الذي يسمى البرمجة اللغوية العصبية. فتجد شخصا لا يحمل سوى مؤهل الثانوية العامة، حصل على شهادة مدرب في البرمجة اللغوية العصبية (ولا اعرف ما هي الجهات التي تمنح هذه الشهادات وتعادلها، خاصة من يريد العمل في المجال العلاجي..! وحسب ما اعتقد فإن وزارة الصحة هي التي تمنح التراخيص لمن يزاولون اي مهنة تتعلق بعلاج المرضى، وأن الهيئة السعودية هي التي تعادل هذه الشهادات لمن يريد ان يعمل ويحصل على ترخيص يؤهله لأن يتقدم لوزارة الصحة للحصول على حق ممارسة مهنة علاج المرضى..!)، لكن يبدو ان هناك صعوبة في ضبط عملية من يعالج المرضى، وللآسف الشديد فإن اكثر الناس مراقبة وحساباً هم الاطباء المؤهلون، فدائماً وزارة الصحة تتشدد في منح التراخيص للأطباء الذي يرغبون في العمل في القطاع الخاص وحتى العام، بينما العيادات الشعبية التي تعالج بالضرب للمرضى النفسيين والعقليين، والكي الذي قد يؤدي بأضرار بشعة والتهابات ربما تقود الى الوفاة، فإن لا احد يحاسبهم..!! مما جعل بعض المعالجين الشعبيين يدعون علاج كل الامراض، بدءاً من الامراض البسيطة، حتى اصعب وأكثر الامراض صعوبة مثل السرطان والتهاب الكبد الوبائي والايدز.. ولقد رأيت على احدى القنوات الفضائية رجلاً يعالج الايدز والتهاب الكبد الوبائي والسرطان وجميع الامراض المستعصية وغيرها.. وهو يتنقل بين دول الخليج كما لو كان صاحب المعجزات الذي يبرئ المرضى من جميع هذه الامراض العضال، فهو الوحيد في العالم الذي له هذه الكرامات والمعجزات، والامر الاكثر سوءاً ان الناس يتقاطرون عليه جماعات ووحدانا طلباً للسحر الذي يحمله لشفاء مرضاهم من جميع الامراض أيا كانت مستعصية.. بسيطة، عضوية.. نفسية.. أي شيء فهو لديه القدرة لعلاج كل شيء. ويبدو ان الذين حصلوا على شهادات البرمجة اللغوية العصبية من انصاف المتعلمين لا يختلفون كثيراً عن الاشخاص الذين يعالجون بأي طريقة كانت، لكن الخطورة هنا بأنهم يحتمون وراء اسم رنان «البرمجة اللغوية العصبية» والناس لا يعرفون ماذا تعني هذه الكلمات الضخمة الفخمة، والتي هي قادرة على تغيير حياة الانسان، فالزوجة التعيسة بجلسة او عدة جلسات تحل كل مشاكلها مع زوجها وأهل زوجها واطفالها ومشاكلها المادية والعاطفية.. انه التغير.. وكذلك الشخص الذي يعاني من الرهاب الاجتماعي وعدم قدرته على الحديث امام الناس وتأثرت حياته العائلية والدراسية والعملية، واصبح معزولاً اجتماعياً، ما عليه إلا ان يحضر عدة جلسات مع متخصص في البرمجة اللغوية العصبية ليخرج وقد تخلص من جميع هذه الامور واصبح جريئاً يستطيع ان يتحدث في اكبر المحافل وامام اكبر الشخصيات دون ان يشعر بأي خجل او حرج.. وكذلك الشخص الذي يعاني من الوسواس القهري، وله سنوات يعاني من الافكار الوسواسية القهرية التي اثرت على حياته وكذلك الافعال القهرية التي جعلته حبيس هذه الافعال القهرية ولا يستطيع الانفكاك منها، فكل ما عليه سوى حضور بضع جلسات يخرج بعدها وقد تخلص من جميع هذه الافكار الوسواسية والافعال القهرية واصبح شخصاً عادياً، يستطيع ان يعيش حياة ليس بها وساوس او افعال قهرية.. إنه تأثير البرمجة اللغوية العصبية التي فعلت ما لم يفعله العلاج النفسي المقنن والذي يحتاج الى اشخاص متخصصين امضوا سنوات من التعليم والتدريب حتى اصبحوا قادرين على ان يتعاملوا مع مثل هذه الاضطرابات بالعلاج السلوكي المعرفي، وفق قواعد وطرق علاجية تم التأكد منها وتجربتها علمياً وعملياً على عشرات المرضى الذين يعانون من مثل هذه الامراض، كذلك الاطباء النفسيين الذين تخصصوا في الطب النفسي وبالتعاون مع زملائهم من بقية الفريق العلاج النفسي، وبمساعدة ادوية تمت تجربتها وتم السماح باستخدامها لعلاج هذه الاضطرابات والتي تسبب ايضاً اعراضاً جانبية على المريض ان يتحملها، فهذا كله ليس له اي اعتبار.. فالبرمجة اللغوية العصبية هي الحل.. اننا لا نستطيع لوم من يعلنون في وسائل الاعلام المختلفة عن علاج الوسواس القهري والاكتئاب والقلق خلال نصف ساعة، وكذلك لا نلوم من يذهب لهم، لان المريض مستعد ان يذهب للتيس الذي يدر حليباً اذا سمع انه يعالج جميع الامراض.. لكن الى متى يظل هذا الامر ومن هو المسؤول عن المآسي التي تحدث للمرضى من جراء العبث بهم من اشخاص لا يحملون ترخيصاً للعلاج ومع ذلك يملأون الشوارع وبعض منهم يعاملون ككبار الشخصيات..؟!