أن تؤيد أو لا تؤيد التظاهرات التي تخرج للمطالبة بالحقوق في العديد من البلاد العربية ، فذلك ما يجوز الاختلاف حوله رغم إجماع الكل على مشروعية المطالب التي يرفعها المتظاهرون هناك. وإذا كان لكل طرف من الأطراف المختلفة حججه ومبرراته التي تدعم وجهة نظره وتجعل من الحوار والاختلاف حول الأسلوب وليس الغاية أمراً مشروعاً ، فإن التظاهرات المؤيدة لأنظمة الحكم تبقى عملاً غير مفهوم وغير مبرر وبالذات إذا ما كان نظام الحكم متورطاً في قمع معارضيه ومداناً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق شعبه . ما أعرفه وقرأته طوال حياتي ، يؤكد أن التظاهر وسيلة من وسائل التعبير السلمي عن الرفض لنهج أو واقع سياسي ما في الدول التي تقوم بها . لذلك فإن الأنظمة الديمقراطية هي وحدها التي تكفل حق التظاهر لشعوبها شريطة ألا يقترن ذلك بأعمال عنف أو شغب من أي نوع . مظاهرات التأييد هي وسيلة عجيبة للتعبير ، وأقول وسيلة عجيبة لأن التأييد الشعبي حالة تنتج عادة من إحساس الناس بالرضا .. والناس الذين يشعرون بالرضا لا يخرجون إلى الشوارع ولا ينظمون المظاهرات ولا يعرضون أرواحهم للخطر ولا يغامرون بكل ما يملكون في سبيل رغبتهم في التعبير عن التأييد . وحدهم المعارضون لتلك الانظمة هم الذين يخرجون إلى الشوارع في تظاهرات حاشدة ، هم الذين يفعلون ذلك .. وإلا فما هو التفسير المقنع للأسبقية الزمنية للمظاهرات المطالبة بإسقاط الأنظمة على المظاهرات المؤيدة لهذه الأنظمة والداعية إلى استمرارها ..؟ لماذا لم يعبر المؤيدون عن مشاعرهم قبل اشتعال الثورات ، إذا كانوا يرون فعلا أن التظاهر وسيلة للتأييد كما هو وسيلة للاعتراض ؟ ما نشاهده من تظاهرات تأييد للنظامين السوري واليمني ، ومن قبلهما أنظمة ليبيا ومصر وتونس – مع ملاحظة فشل النظامين الأخيرين في حشد القوة البشرية المطلوبة – هو انعكاس لعقلية سياسية منفصلة عن الواقع نظرا لإصرارها على مواصلة نهجها في الاستهانة بعقول شعوبها . وهو ما يجعلني متأكدا من أن سقوط هذه الأنظمة ، لم يعد إلا مسألة وقت ليس أكثر . مظاهرات التأييد هي أكبر دليل على تفشي حالة الغباء السياسي .