جاءت تهنئة الرئيس الامريكي باراك اوباما للمسلمين استكمالًا لكلمته التي بعث بها من جامعة القاهرة للعالم الاسلامي فور توليه منصبه التي قصد منها فتح صفحة جديدة في علاقات الولاياتالمتحدةالامريكية بالعالم الاسلامي بعد سنوات التدهور الحاد في عهد الرئيس الامريكي السابق بوش والتي سجلت العلاقات الامريكية بالعالم الاسلامي ادنى مستوياتها، وأن عنصر الوقت له أهمية خاصة لتهنئة اوباما للمسلمين بعيد الاضحى المبارك وتضمنت اشارات هامة تشيد بالمناسك الاسلامية وشعائر الدين الاسلامي الحنيف، خاصة فريضة الحج التي تتضمن قيما سامية يمكن استثمارها في حل الكثير من قضايا العالم المعاصرة ويقف العالم عاجزًا أمام حلها مثل ازمات الفقر والمجاعات التي تتعرض لها كثير من مناطق العالم، وان الإسلام يقدم حلًا يمكن أن يساهم في التخفيف من مشاكل الفقر والجوع مثل شعيرة «الاضحية» التي يمكن ان تحل من مشاكل نقص الغذاء في مناطق كثيرة مثل منطقة القرن الافريقي ومن خلال تبرع اكثر من 3 ملايين حاج باضحياتهم الى فقراء العالم، وتضمنت رسالة اوباما ايضا الى قيمة اساسية تبرز كل عام مع اداء مناسك الحج وهي ان الاختلاف يمكن أن يكون مصدر قوة للعالم حيث يجتمع أكثر من 3 ملايين حاج في منطقة جغرافية محددة ويتعاونون ويتعاملون بلا مشاكل ويمكن ان يساهم تعزيز مثل هذه القيمة في حل الكثير من القضايا التي تواجه العالم بسبب الاختلاف في الرؤى والمواقف او السياسات، وان الإسلام يرسي مبدأ تعزيز واحترام التنوع والاختلاف وانه مع التنوع والاختلاف يمكن التعايش، طالما تتوفر البيئة المناسبة لاحتضانه ورعايته كما يحدث من المملكة التي تستضيف هذا الحشد الضخم من مختلف الاعراق والجنسيات واللغات ويحرص الجميع على التواصل والانسجام، كما ان رسالة اوباما الى خادم الحرمين الشريفين هي في الاصل رسالة تقدير لقيادة المملكة ودورها المقدر عالميا واقليميا وانه دور محوري وفاعل ويمكن استفادة العالم من تجاربها في ادارة موسم الحج والذي يمثل نموذجا في ادارة التنوع والاختلاف، وكانت تهنئة اوباما للمسلمين وخادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز محور قراءة من جانب خبراء سياسة ودبلوماسيين ورجال دين، استطلعت «المدينة» اراءهم من خلال هذا الاستطلاع. استكمالًا لرسالته من القاهرة في البداية يقول مساعد وزير الخارجية المصري الاسبق السفير محمود فرج أن رسالة الرئيس الامريكي باراك اوباما إلى المسلمين وتهنئته لهم بمناسبة عيد الاضحى المبارك وانتهاء مراسم شعائر الحج تحتاج من وجهة نظري أكثر من قراءة، والقراءة الاولى لها هي انها استكمال لرسالته الاولى الاسلامي التي القاها من جامعة القاهرة في مصر، وإن كانت تحمل الدعوة لفتح صفحة جديدة بين الولاياتالمتحدة والعالم الاسلامي بعد سنوات من التدهور في هذه العلاقة وأن رسالة العيد دعوة جديدة للاستفادة من قيم الاسلام بوسطيته واعتداله وهي رسالة للعالم الغربي الذي يربط بين الاسلام والارهاب وان هذا المفهوم متجذر في الذهنية الغربية على مستوى النخب ومستوى الشعوب، ولكن رسالة اوباما بما تضمنته من ايجابيات في شعائر المسلمين والدين الاسلامي وما يتوجب على العالم أن يتنبه اليه ويحاول الاستفادة منه، وايضا هناك قراءة اخرى للرسالة وهي ان الاسلام مدرسة فكرية وسياسية حية ونصوص وشعائر وقيم يمكن الاستفادة منها وأن الاسلام كدين معتدل يقدم حلولا لمشاكل مستعصية مثل ما جاء في رسالة اوباما بأنه يمكن استخدام التبرع بالاضاحي لحجاج بيت الله الحرام في التخفيف من مشكل الفقراء في العالم وخاصة منطقة القرن الافريقي كما ورد في خطاب اوباما وهي المشكلة التي وقف العالم عاجزا خلال الفترة الماضية في ايجاد حلا لها، واضاف السفير فرج ان اشارة الرئيس اوباما في رسالته بأن الاختلاف مصدر قوة وهو تعبير يقدم وصفا دقيقا للحالة التي يكون عليها الحجاج حيث يتجمع أكثر من 3 ملايين حاج وهم من مختلفي الاعراق والمذاهب والاجناس واللغات ورغم اختلافهم يتعايشون وسط جو من المحبة والروحانية على مدار عدة اسابيع وهذا اشارة الى ان الاسلام يقدم علاجا ناحجا في ادارة الاختلاف داخل الدولة الواحدة وداخل المجتمع الدولي برمته وان الاسلام يتجاوز قضية الاختلاف ويعطي فرصة للتواصل والتعايش بين المجموعات المختلفة وهذه رسالة للعالم بأن الاسلام دين الحوار والتواصل والتعايش مع الجماعات التي لا تنتمي للاسلام، مشيرا الى ان الرئيس اوباما خص خادم الحرمين الشريفين بالتهنئة تقديرا لدور المليك في السياسة الدولية وتعزيزا للدعوات التي يتمسك خادم الحرمين الشريفين مثل الدعوة «لحوار الاديان والحضارات» وبما يعكس وسطية واعتدال الاسلام. التكافل مبدأ أصيل في الدين وفي ذات السياق قال استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور محمود عبدالظاهر إن رسالة الرئيس اوباما جاءت في توقيت بالغ التعقيد حيث فقدت رسالته الاولى التي القاها من جامعة القاهرة زخمها من جانب الشعوب الاسلامية، وجاءت رسالته لتهنئة خادم الحرمين الشريفين والمسلمين داخل الولاياتالمتحدة وخارجها لاعادة التأكيد على دعوته الاولى للحوار بين الولاياتالمتحدة والعالم الاسلامي وأن اوباما اراد برسالته استعادة «مصداقيته» من جانب الشعوب الاسلامية التي فقدها بانحيازه السافر لاسرائيل ومعارضة بلاده انضمام فلسطين لعضوية الاممالمتحدة واليونسكو، واشار عبدالظاهر الى أن تركيز اوباما على بعض المبادئ السامية في الدين تعكس ذكاءه حيث ركز على امكانية استخدام لحوم الاضاحي لملايين الحجاج في التخفيف من مشاكل نقص الغذاء وان ما لا يعرفه اوباما والغرب ان التكافل الاجتماعي مبدأ أصيل في الدين الاسلامي وان الاسلام يقدم مشروعا متكاملا لعلاج الفقر سواء عن طريق الاضاحي او اموال الزكاة والصدقات والتي يمكن ان تلعب دورا في علاج مشاكل الفقر، ولكن اوباما نسي ان الولاياتالمتحدة بعد احداث 11 سبتمبر مارست الضغط على المؤسسات الخيرية التي كانت تقدم الدعم للفقراء بحجة ان هذه الاموال يتم استخدامها لتمويل الارهاب ولكن عودة اوباما الى التبرعات الخيرية قد يساعد في تدفق المعونات والتبرعات الى المناطق المنكوبة وخاصة الصومال وبعض الدول الافريقية. تقدير مستحق لخادم الحرمين ويرى رئيس الهيئة التأسيسية للجمعية المصرية السعودية المستشار عبدالعاطي الشافعي ان رسالة اوباما هي رسالة تقدير مستحق لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وهي ايضا اعتراف بسياسة المملكة في توفير الرعاية والحماية لاكثر من 3 ملايين حاج كل عام، وهذا يؤكد مكانة المملكة وحكومتها في السياسة الدولية وان دورها مقدر من كل قيادات وشعوب العالم، واضاف ان الرسالة ايضا تعد تثمينا وفهما واعيا لقيم الاسلام السامية مثل التكافل الاجتماعي التي تحض عليها مبادئ الشريعة الاسلامية، وايضا الرسالة سلطت الضوء على قضية مهمة ان «الاختلاف لايفسد في الاسلام للود قضية»، ويمكن للمختلفين ان يتعايشوا ويتحاوروا وهي قضايا أساسية في اسلامنا الحنيف وليس كما تروج له بعض الدوائر الغربية المغرضة بأن الاسلام دين العنف والارهاب والحقيقة هي أنه دين الوسطية والاعتدال. المليك وظف عقله الراجح وحكمته لصالح البشرية. وقال الدكتور عبدالمعطي بيومي العميد الأسبق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر أن الرئيس اوباما يدرك أن بوابة الإسلام والمسلمين هي المملكة، وكانت أول زيارة له لمنطقة الشرق الأوسط هي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مشيرًا إلى أن تهنئة اوباما للملك عبدالله إشارة منه إلى الحصول على دعم الدول العربية في جهوده للتوصل إلى سلام في الشرق الأوسط ومد اليد إلى العالم الإسلامي. وأضاف بيومي أن السياسة الخارجية الأمريكية اتسمت في فترة حكم بوش بازدواجية المعايير، مما أفقد أمريكا مصداقيتها في الشارع العربي والإسلامي، ومن هنا يحاول اوباما أن يستغل المناسبات الطيبة لتقديم التهنئة للعالم الاسلامي، وقال إن الولاياتالمتحدة تسعى خلال الفترة الماضية إلى إقامة علاقات صداقة وحسن الجوار وتعاون مع دول العالم الاسلامي على أسس من الاحترام والمصالح المتبادلة، واضاف: إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يتمتع -حفظه الله- بعقل راجح وعدل مبسوط وحكمة ثاقبة وسلام شامل فوظف كل ذلك لصالح البشرية. وأشار بيومي إلى أن المملكة تقوم سنويًا بتوزيع لحوم الأضاحي على فقراء العالم الاسلامي في الدول العربية وغيرها بالتعاون مع هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية ومكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي وبمشاركة عدد من الهيئات والمنظمات المحلية، وقال بيومي أديت فريضة الحج العام الماضي ولاحظت ذلك عندما قامت حملة خادم الحرمين الشريفين لإغاثة الشعب الباكستاني بتوزيع لحوم الأضاحي على 2000 أسرة من متضرري الفيضانات والفقراء والأرامل والمحتاجين في إقليم خيبر بخت الواقع في الشمال الغربي من باكستان وفي إقليم السند، وأشرف على توزيع الأضاحي سفير خادم الحرمين الشريفين لدى باكستان. وفي الصومال قامت تلك الجمعيات بتوزيع 3500 أضحية في 11 إقليم من أقاليم الصومال البالغ عددها 18 إقليمًا وقد استفاد من مشروع الأضاحي 30 ألف أسرة صومالية في أنحاء الصومال الكبير. وأضاف العميد الأسبق لكلية أصول الدين أن ما تقوم به المملكة من توزيع الاضاحي على حسابها الخاص من خلال أجهزة طيران مجهزة بتوزيعها لشيء مشرف لهذا الدين السمح الذي يقوم على التقارب وتطبقه المملكة لأنها ترى أن شرع الله في أرضه يقوم على الترابط، وقال إن المملكة تقوم بتوزيع الاضاحي لبلدان دول إفريقيا الأكثر فقرًا، وتشرف على ذلك الأجهزة المسؤولة في المملكة واضاف: إن الإدارة الأمريكية تدرك ذلك جيدًا وتعرف ما تقوم به المملكة خلال عيد الأضحى من توزيع لحوم الاضاحي على فقراء العالم الاسلامي، لافتًا إلى أن البنك الإسلامي للتنمية وحده قام بتوزيع ما يربو على 700 ألف رأس ماشية على المحتاجين في 27 دولة في أنحاء العالم. تقدير الدور المحوري للملك عبدالله اما الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه بجامعة الأزهر فقال: أن الرئيس اوباما لم يضف جديدًا في رسالته للعالم الاسلامي بصفة عامة وخادم الحرمين الشريفين بصفة خاصة، لأنه يعلم جيدًا ما تقوم به المملكة من خدمات جليلة للعالم الاسلامي على مدار السنوات، وقال إن سياسة المملكة الخارجية تقوم على مبادئ وثوابت ومعطيات «دينية - اقتصادية - أمنية - سياسية» بما يخدم المصالح المشتركة بين دول العالم الاسلامي، وإقامة علاقات تعاون مع الدول الصديقة ولعب دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية منذ تأسيس المملكة على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز آل سعود. وأشار الدكتور رأفت إلى أن الرئيس الامريكي يقدر الدور المحوري الذي يقوم به خادم الحرمين الشريفين تجاه القضايا العربية والعالمية، فضلًا عن المبادرة التاريخية التي أطلقها خادم الحرمين للحوار بين الأديان والحضارات، والتي تبنت خططا وأفكارا وتوصيات كفيلة بالقضاء على التوتر في العلاقات بين أتباع الديانات والحضارات المختلفة، ونشر ثقافة التسامح والتعايش الآمن بين الشعوب، ونبذ التعصب والكراهية واحترام التعددية الدينية والثقافية، وتبني مؤسسات الدعوة في المملكة للتعريف بالإسلام الصحيح الذي يدعو إلى الوسطية والاعتدال، مشيرًا إلى أن الجهود التي تبذلها المملكة في خدمة الدعوة إلى صحيح الإسلام ودورها في تصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة عن الإسلام والمسلمين في الثقافة الغربية هي محل تقدير كل المسلمين في العالم.