غضب البعض من جرّاء الهجوم الشرس، ومحاولة الإساءة إلى نبي الأمة، وكان هذا الأمر سببًا لاستفزاز العديد من المسلمين، ومن المعلوم أن الغضب عندما يزداد يؤدّي إلى نتائج غير محمودة، فضلاً عن أنه يخرج الإنسان عن فعله ووقاره، وهو ما لا نريده لأمتنا الإسلامية في كل أصقاع المعمورة. إن العداء للنبي من الكفار قديم جدًّا، على الرغم من أن هذا النبي هو الوحيد الذي أرسل إلى الثقلين، بخلاف الرسل الباقين عليهم السلام التي كانت رسالاتهم خاصة بأقوامهم فقط؛ ولهذا نزلت الآية: (وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين)، وهذا ما يؤكد علو مقامه الشريف، وامتياز خصّه المولى به بشمول الرحمة لجميع الخلق من مؤمنين وكفار، وهي هبة من الله تعالى اختص بها هذا النبي العظيم. فمن مظاهر الرحمة بالكفار حرص النبي الكريم على أن يكون أمينًا على كل الخليقة، وحرصه على عدم دعائه على المشركين بالانتقام، بل كان يدعو لهم بالهداية، ومنها أيضًا مسامحة مَن آذاه، وحاول قتله، وعفوه عمّن حاول الغدر بالمسلمين يوم الحديبية، حثه على اليسر وعدم التعسير، دعاؤه للكفار بالإغاثة، إعطاؤه مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة، ولم يعطه لبني هاشم. ومن مسامحته رفضه لقتل اليهودي الذي سحره، ورفضه لقتل اليهودية التي سممته، وتسامحه عن فضل بن عمير الذي حاول اغتياله عند الكعبة، كما سامح المنافقين الذين آذوه، ومنها أيضًا حثه عليه الصلاة والسلام على حسن معاملة الأسرى، ومجادلته لأهل الكتاب وغيرهم من الكفار بالتي هي أحسن. ومن أجمل الصور التي تظهر رحمة نبي الأمة عيادته لمرضى الكفار، وقيامه لجنازة اليهودي، قبوله لهدايا المشركين، وكل ما ذكر ماهو إلاّ غيض من فيض ممّا تسنّى لي استخلاصه من كتاب (رحمة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالكفار) للدكتور ملا خليل خاطر أستاذ الحديث بجامعة طيبة، حيث طبع هذا الكتاب على نفقة الشيخ صالح عبدالله كامل، وأرجو أن تتبنى الجهات الدعوية ترجمته وتوزيعه على غير المسلمين. فهذه هي الدعوة المتزنة، وفي مثل هذا فليتنافس المتنافسون. إنني على يقين أن هذا الكتاب سيكون سببًا لتصحيح العديد من المفاهيم، وإظهار ما خُبئ من كنوز هذا الدّين، ونبي الله الذي أرسل بحق رحمة للعالمين. اللهم أنصر دينك، وكتابك، وسنة نبيك، ونسأله سبحانه أن يرزقنا الإخلاص في العمل، والصدق في القول، وأن يتقبل منا، إنه ولي ذلك، والقادر عليه، اللهم صلِّ على أشرف أنبيائك ورسلك محمد وعلى آله وصحبه.