فضّل الله سبحانه وتعالى بلادنا باحتضانها لأطهر بقعتين على وجه الأرض هي الحرم المكي الشريف والمسجد النبوي الشريف ثم جعل كل المسلمين في شتى بقاع الأرض يؤمونهما لأداء شعيرتي الحج والعمرة حيث يأتي لأداء هاتين الشعيرتين ملايين المسلمين كل عام ولعل هذا التكريم الإلهي يدفع سكان هاتين البقعتين ومن يعمل بهما لخدمة هؤلاء الضيوف الكرام إلى الالتزام بأرقى وأسمى السلوك الإنساني في المعاملة انطلاقًا من مكانة هاتين البقعتين الشريفتين وكرامة وعزة أولئك الضيوف وامتثالًا لتعاليم شرعنا الحنيف الذي يحث على حسن المعاملة كما ورد في حديث (الدين المعاملة). وهذا أمر أراه تشريفًا لسكان هذه البلاد لا تكليفًا لهم فتلك الخدمات المقدمة لابد وأن تنطلق من مبدأ التشريف الذي منحه رب العالمين لهذه البلاد ومن يسكن عليها وهذا ما يستوجب أن يترتب عليه من الالتزام بالسلوكات الحسنة في المعاملة لهم والتلطف بهم وتوفير كل ما من شأنه خدمتهم حيث يعد هذا عملًا شموليًا للجميع وليس مخصصًا لجهة أو شريحة أو مؤسسة فتلك الملايين من البشر لابد وأن ترى سلوكاً حميداً ومعاملة حسنة يتمثل بها كل من أوكل إليه أمر خدمتها أو تيسر له ذلك من كافة شرائح المجتمع وبعيدًا عن الفضل الكبير الذي منحه رب العالمين لكل من يخدم ضيوفه ويكرمهم فإن الصورة التي يستوجب أن تنعكس لأولئك الضيوف لابد وأن تكون صورة بيضاء ناصعة في الصدق والأمانة والعدل والعفو والإحسان والوفاء والحب والتكافل والإيثار. وكم أتمنى أن يكون لدينا مؤسسة تربوية متخصصة في تعليم السلوك المستوجب لمعاملة ضيوف الرحمن بدءًا من قدومهم إلى أرض المطار أو إلى إحدى بوابات الدخول الأخرى برًا وبحرًا حيث يخضع لها كل من أوكل إليه أمر خدمة الحجيج وحتى مغادرتهم أرض البلاد حيث يتعلمون فيها كافة السلوكيات والبرامج والآليات التي يستوجب تنفيذها لخدمة ضيوف الرحمن كما يوكل إليها مهمة المتابعة والتنسيق لعمليات التنفيذ المستوجبة وكم أتمنى أيضا أن تتولى الهيئة العليا للسياحة والتراث أمر الإشراف على البرامج التي تتضمن الزيارات للأماكن التاريخية بالأماكن المقدسة وكم أتمنى أيضا أن تقوم الهيئة نفسها بتنفيذ بعض البرامج السياحية لضيوف الرحمن بعد انتهاء موسم الحج لتعريفهم بالمعالم الحضارية والتاريخية في مناطق المملكة المختلفة فمن المحزن أن يعود هؤلاء الحجاج والمعتمرون إلى بلادهم دون أن يعرفوا عن بلادنا إلا الطرق التي يتنقلون فيها من المطار أو المنافذ البرية والبحرية إلى الحرمين الشريفين ثم العودة من نفس المسار فلماذا لا يستثمر وجودهم سياحيًا وخاصة من يرغب منهم؟ أما الأمر الأكثر إلحاحا فهو ضرورة أن نظهر جميعا في سلوكنا ومعاملاتنا أمام هؤلاء الضيوف الكرام بالمظهر الإسلامي الحقيقي وأن نتفانى في خدمتهم خدمة تتسم بالصدق والأمانة والعدل حيث إن هذه الصورة سوف تنتقل إلى أهلهم وذويهم وسوف يكون الكثير منهم يعمل بأجهزة الإعلام إما كاتبًا أو مذيعًا أو فنيًا أو مسؤولًا وسوف يضاعف من نسج تلك الصورة التي سيلمسها.. لذا علينا أن نكون صورة ناصعة ومضيئة في التعامل مع كافة ضيوف الرحمن. أما الخاتمة فهي أن يقوم مجلس الشورى بدوره في تحويل تلك الأفكار إلى واقع ملموس وأن يضع لهذا الجانب تحديدا الكثير من مداولاته حتى تكون بلادنا صورة تعكس ما نتمتع به من قيم ومبادئ إسلامية حنيفة والله تعالى من وراء القصد.