بعد أن أصبحت بحيرة الصرف الصحي أو «بحيرة المسك» كما يحلو لكثيرين تسميتها، جزءا من الماضي في ذاكرة سكان جدة، عاد شبحها ثانية إلى الظهور مجددا ومخاوفهم من تكرار سيناريو الكابوس الذي طالما جثم على صدورهم لسنوات طوال قبل أن تتدخل القيادة في أعلى مستوياتها لوضع حد لهذا المسلسل المزعج، حيث تم نقل ملف تجفيف البحيرة بالكامل إلى وزارة المياه لإنجاز المهمة خلال فترة زمنية محددة، وهو ما تم بالفعل. أما سبب هذه المخاوف فهو ظهور 4 بحيرات مائية جديدة في ذات المنطقة أرجعها بعض المواطنين إلى مخالفات سائقي وايتات الصرف الصحي في غياب الدور الرقابي، غير أن اللافت هنا هو تباين رؤية كل من الشركة الوطنية للمياه وأمانة محافظة جدة حول مصدر مياه هذه البحيرات، فالأولى ترى أنها تجمعات لمياه أمطار وبالتالي تقع ضمن مسؤولية الأمانة، بينما تؤكد الأخيرة أنها مياه صرف صحي، غير أنهما اتفقتا على ضرورة التنسيق مع شركة المياه لمعالجة المشكلة قبل دخول موسم الأمطار. «المدينة» رصدت بحيرة المسك بعد إفراغها بالكامل، كما رصدت عدم قيام الأمانة بإفراغ بعض الشعب الممتلئة بمياه الأمطار والتي استغلها بعض المخالفين وأصبحوا يفرغون حمولة شاحناتهم من مياه الصرف الصحي بها تهربا من الاصطفاف في طوابير محطة المعالجة، وكذلك قيام وايتات خاصة ببعض المزارع الموجودة هناك بشفط المياه الملوثة من هذه البحيرات لري مزارعهم.. ولك عزيزي القارئ أن تتخيل من أين تأتي الخضروات التي تباع في عربات متجولة داخل أحيائنا وكيف تروى؟. بحيرة المسك عائدة أجمع عدد من المواطنين على تخوفهم من وجود بحيرات تتجمع بها مياه منذ العام الماضي وقيام بعض سائقي الوايتات بإفراغ حمولتها فيها مما يفاقم المشكلة. عن ذلك الواقع قال نواف العسيري: بصراحة في بداية الأمر لم أصدق أن بحيرة المسك تمت إزالتها وإفراغها حتى ذهبت للموقع وشاهدت بأم عيني، وأيقنت أنها أصبحت من الماضي، حينها ارتحت وألغيت فكرة الانتقال من هذا الحي، لكن بعد أن تناقل الساكن نبأ ظهور هذه البحيرات الجديدة عاد كابوس بحيرة المسك يقلقني مجددًا، وقد شاهدت هذه البحيرات المجاورة لموقع بحيرة المسك سابقًا، وفوجئت بأنها أصبحت 4 بحيرات بدلًا من بحيرة واحدة، وهي تحاصر أحياء شرق جدة من الشمال وحتى الجنوب في ظل غياب الرقابة وتهاون الجهات المسؤولة وكأن أرواحنا لا تهمهم. وأضاف: في نظري أن السيناريو الأقرب هو أنهم يريدون من الدولة أن تقوم بإبرام عقود مع شركات محسوبة على بعض مسؤولي الأمانة كالعادة، ذلك أنهم السبب في ظهور هذه البحيرات من خلال غض الطرف عنها وعن من يقفون وراء تكونها. ويتفق معه عواض الحربي مضيفًا: قد تزهق أرواح ما لم تتدخل الجهات المعنية لمعالجة الأمر في الوقت المناسب، فما نفع المشاريع بعد وقوع ضحايا؟ أتمنى من المسؤولين في أمانة جدة أن يكفوا عن التلاعب بأرواح الناس من أجل مكاسب دنيوية فانية لا تغني في يوم الحساب. العساف: مياه الأمطار ليست مسؤوليتنا قال المهندس عبدالله العساف مدير أعمال مدينة جدة في شركة المياه الوطنية إن بحيرة المسك أصبحت جزءًا من الماضي بعد أن أنجزت الشركة ما كلفت به في وقت قياسي وتم تجفيف البحيرة عن طريق معالجة مياهها وتبخير كمية كبيرة منها. وعن مشكلة ظهور بحيرات ومسطحات مائية جديدة وإفراغ سائقي بعض الوايتات حمولتها بها واستخدام هذه المياه الملوثة من قبل بعض أصحاب المزارع لري مزارعهم، أجاب العساف: «نحن قمنا بدورنا وعالجنا وضع بحيرة المسك، أما ظهور بحيرات صغيرة من مياه الأمطار في مواقع أخرى، فذلك ليس من اختصاصنا حقيقة، وهي مخالفة خطيرة إن ثبت وجودها ويجب أن تتحمل كل جهة مسؤوليتها. قطان: شددنا الرقابة على الموقع لمنع أي تجاوزات من جهته نفى مدير إدارة المياه في أمانة محافظة جدة المهندس محمد قطان أن تكون هذه المسطحات مياه أمطار حيث قال: من المحتمل أن تكون نتيجة تجاوزات من سائقي ناقلات مياه الصرف الصحي، خاصة لو أخذنا في الحسبان وجود هذه البحيرات على الطريق المؤدي إلى محطة المعالجة الموجودة هناك، وقد وردتنا بلاغات عن قيام بعض السائقين بتفريغ حمولة شاحناتهم في جنبات هذا الطريق تجنبًا للزحام والانتظار عند المحطة. وأضاف: وجهنا فرقنا لتشديد الرقابة في الموقع على مدار ال 24 ساعة لمنع أي تجاوزات، وسوف يكون هناك تنسيق مع شركة المياه الوطنية لمعالجة هذه المشكلة قبل دخول موسم الأمطار. بحيرة المسك.. كابوس الأمس و«شبح» اليوم يذكر أن بحيرة المسك كانت في صدارة الأحداث وعناوين الصحف إبان كارثتي السيول التي ضربت محافظة جدة، قبل أن تصبح جزءًا من الماضي الذي لا يحب أحد من سكان جدة تذكره، لما عايشوه من ألم وهلع؟ وقد تكونت البحيرة بسبب تجميع مياه الصرف الصحي في موقع خصص لذلك شرق محافظة جدة على بعد حوالي 18 كيلو مترًا عن جسر بريمان، وهي محمية بسدود ترابية ويقدّر ارتفاعها فوق سطح البحر حسب تقديرات هيئة المساحة الجيولوجية السعودية آنذاك (عام 2005 م) بنحو 125 مترًا فوق سطح البحر. وكانت تحوي داخلها كمية كبيرة من المياه الملوثة والمحتجزة تقدر بنحو 17 مليون م3، وتناقل أهالي جدة في تلك الفترة إشاعات بأن سد البحيرة سوف ينهار وسوف تغرق مياهها مدينة جدة بالكامل، وبقي الجميع في حالة فزع دائم حتى انتهى موسم الأمطار وبدأت مشاريع المعالجة لوضع البحيرة، حينها فقط تنفس الأهالي الصعداء.