في مثل هذا الوقت من كل عام يواجه المجتمع السعودي نفس السؤال.. وفي كل عام أيضًا تتحسن الخدمات، وتظهر احتياجات وعوامل جديدة تؤثر في الأداء والتحضير للموسم العظيم، الذي يصل ذروته على صعيد عرفات في التاسع من شهر ذي الحجة من كل عام، عندما تقف الملايين من المسلمين ملبّين، ومكبّرين: لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك. ومن تجارب الأعوام الماضية يتضح أن الجهود التي تُبذل كانت محل تقدير من قبل وفود الرحمن.. فالخدمات في تحسّن.. والمرافق تزداد سعتها الاستيعابية.. والعناية الطبية مواكبة.. ولكن النظافة تظل من كبرى المشكلات التي مهما فعلت الجهات المعنية، فلابد من المزيد من الجهد والتنظيم على مدار الساعة، من بداية الموسم حتى نهايته. فكرة «لا حج إلاّ بتصريح، وتحديد مرور خمس سنوات حتى يستطيع الشخص الحج مرة أخرى» التي ابتكرها أمير المنطقة خالد الفيصل -جزاه الله خيرًا- تُعدُّ من أبرز الخطوات التنظيمية للحد من تكرار الحج في كل عام، خاصة بالنسبة للوافدين المقيمين في البلد لفترة طويلة.. وسبق لهم الحج عدة مرات. والمعضلة الكبرى التي يجب الاهتمام بها بشكل جدي مشكلة الافتراش التي تحمل معها التضييق على المشاة، وتدني النظافة إلى مستوى غير مقبول.. وهي أيضًا مخالفة لمتطلبات النظافة المفروضة على المسلمين.. كما ورد في الأثر بأن النظافة من الإيمان.. ولكن بعض الحجاج والمعتمرين -مع الأسف الشديد- لا يكترثون بذلك.. وكأنهم يجهلون ما يحتويه معنى «النظافة من الإيمان». قطار المشاعر خفَّف على الكثيرين معاناة الازدحام.. والمنتظر أن تكون خدماته في هذا العام أفضل وأكثر كثافة من العام الماضي.. وعندما يكتمل خط الحرمين بين مكةالمكرمة والمدينة المنورة سيكون ذلك إنجازًا تاريخيًّا عظيمًا يوفر الراحة والسرعة للحجاج والمعتمرين. ويبقى الأمن العنصر الأهم في مسؤوليات الحج.. وما تقوم به الجهات المعنية في كل عام من أجل تمكين ضيوف الرحمن من أداء مناسكهم بيسر وسهولة في أجواء آمنة ومريحة.. يستحق الثناء والتقدير. إن تراكم التجارب الإيجابية.. وتجنب السلبيات التي يتكرر البعض منها في كل عام، أكسب المسؤولين عن شؤون الحج خبرات واسعة وعميقة ينبغي البناء عليها لرفع مستوى الأداء، وتحسين كافة الخدمات حسب أولويات مبرمجة منها: نشر الوعي الصحي، والتنبه والإصرار على نظافة المكان من أجل مصلحة الحجاج أنفسهم.. وليكن ذلك قبل مجيئهم من بلدانهم بفترة استعدادًا لأداء حج ناجح وسليم من الأمراض.. وسن جائزة تمنح في كل عام لبعثة الحج المثالية.. من حيث الانضباط والنظافة والتنظيم أثناء موسم الحج. كما أن تنظيم عملية التفويج تتطلب إدارة محكمة ومنضبطة للحد من اختناقات الزحام المرورية، وضمان انسياب الحركة بين المشاعر في جو آمن وسليم من الحوادث. قد يرى البعض أن لا جديد في هذا الطرح.. وأن الجهات المعنية تقوم بواجباتها على خير ما يرام، ولا تحتاج إلى مزيد من النصائح، ولأولئك أقول: إننا لازلنا بحاجة للتكرار في هذه الأمور حتى تصل خدماتنا خلال مواسم الحج إلى أعلى المستويات.. لأن ذلك واجب فرض علينا، ولا خيار لنا سوى الاستمرار في الإلحاح؛ لأن أعداد الحجاج تزداد في كل عام.. ولو فتح المجال بشكل أوسع لتضاعفت تلك الأعداد بشكل يتعذر استيعابهم.. ويجب أن نعد العدة لكل ما تحتاجه المهمّة حتى تتكلل بالنجاح بإذن الله تعالى.. وفق الله الجميع لخدمة الحجاج والمعتمرين في هذا العام، وفي كل عام.. والله وراء القصد.