كتبت في مقال سابق عن أهمية إيجاد البدائل المناسبة لحل معضلة الإسكان في ظل قلة أعداد الذين يملكون سكناً من المواطنين ..وهي قضية باتت تؤرق الناس وتلقى بظلالها على مستقبل الشباب وتقوّض دعائم أحلامهم.. فالأسعار قد قفزت في غضون السنوات القليلة الماضية إلى أرقام خرافية ويستوي ذلك على الأراضي والفلل والشقق وقد كتبت عن خطورة ترك الحبل على الغارب للشركات العقارية الاستثمارية التي ساهمت بشكل سلبي في ارتفاع الأسعار.. فقد أغرت أصحاب الأراضي المتاحة للسكن في شمال جدة على سبيل المثال (فالأرض التي مساحتها 700م وسعرها 800ألف ريال ارتفعت إلى مليوني ريال) والسعر لن يضير الشركة بالطبع لأنها سوف تقسّم الأرض إلى نصفين وتبني عليها (فلل الدوبلكس) وتبيع كل واحدة منها (كان السعرمليون وثمانمائة ألف ريال فأصبح مليونين وثمانمائة ألف ريال ) ومازال القفز والارتفاع مستمراً على رؤوس غير القادرين ناهيك عن جشع الركض لتحويل بعض الشوارع إلى استثمار تجاري الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وقد طال الأمر الأراضي التي قرب (أبحر ) وما حولها.. فأين الحلول البديلة؟إن البدائل كثيرة ولكن الوقت يمضي وتأخير تطبيق إستراتيجية حاسمة للحد من ذلك الجشع سوف يفاقم من حجم المشاكل .. وأحد الحلول هو ما أشارت إليه إحدى الدراسات الاقتصادية التي تنادي بفرض رسوم على الأراضي البيضاء والتي علمنا عن بدء دراستها في الشورى وكشفت عن إمكانية تحقيق عائد من رسومها يصل إلى20،30مليارا وهو ما يقارب عائدات الزكاة المفروضة مما يوفر دخلاً يقترح أن يوجه إلى علاج مشاكل الإسكان ..وتأمين الأراضي اللازمة لدعم مشروع بناء ال(500) ألف وحدة سكنية التي أمر بها المليك المفدى حفظه الله ..ولا شك أن فرض الرسوم سوف ينهى وضع مشكلة الأراضي المتنازع عليها أو المتروكة دون إصلاح ومنها المنح التي لا يضير أصحابها تركها لأجيالهم القادمة..وسوف يدفعهم ذلك إما لبيعها – مما يعيد الأسعار إلى وضعها- أو تسديد رسومها التي سوف يعود إيرادها لصالح دعم السكن ..وتفيد الدراسة بأن هناك ما يعادل 60% من الأراضي البيضاء في جدة فقط وهذا هو أول بديل يمكن للشورى أن يساهم به في علاج المشكلة وان كنت أرى أن فرض الرسوم هو من الحلول المتوسطة والبعيدة المدى لأن مردودها لن يأتي سريعاً ولابد من دراسة وتوصية في المجلس لمعدلات أسعار الأراضي والسكن تساهم في الحد من الجشع القائم وتفضي إلى حلول عاجلة لإعادة الاتزان للأسعار ومنها فرض رقابة على الشركات العقارية الاستثمارية التي استشرت في هذا المضمار وتقنين آليات تسويقها للعقارات ومنع استغلالها للناس.. أما الإستراتيجية الوطنية للإسكان التي تضع وزارة الإسكان حالياً لمساتها الأخيرة عليها فإنها خطوة إيجابية غير أنها لن تؤتي ثمارها عاجلاً فهي تصب في نفس توّجه وحلول الأراضي البيضاء .. ومع ذلك نتوقع كرد فعل لها حراكاً آنياً في سوق العقار وإعادة التوازن إليه خاصة فيما يتضمن إجبار مالكي الأراضي على تطوير أراضيهم خلال إطار زمني محدد وإلا سوف يواجهون بفرض غرامات أو نزع ملكيات أراضيهم ولو دعمت الحكومة تطبيق ذلك فسوف تعالج وضع الأراضي الكثيرة المتروكة دون إصلاح.. والأمر يتطلب أيضاً النظر ضمن الإستراتيجية لأراضي المنح التي تزيد عن حاجات الفرد وتترك دون تطوير أو تنسيق بحيث تسحب التي لا تستغل لزمن معين حتى نقلل من تلك النسبة (60%) من الأراضي المتروكة لاستثمار أجيال الأفراد وتستغل لمصلحة الناس والأجيال القادمة جميعها ومن الجيد في الإستراتيجية فرض رسوم على تخطيط الأراضي و استغلالها وعلى الأرباح في المتاجرة فيها..وليت الإستراتيجية تركز بشكل كبير على التطوير عند تخطيط الأراضي لأن العديد من الشركات العقارية تعطي أولوياتها لاستغلال المساحة وصاحب الاستثمار ولا تراعي تطوير المنطقة ويحدث هذا عند بناء الأسواق والمراكز التجارية وكذلك المخططات المعروضة للبيع ولابد من تطبيق معايير لتطوير وتوفر الخدمات كما لابد أن تساهم في البنية التحتية ..ولسنا بمعزل عن الغرب الذي سبقنا في تنظيم هذه الأمور فإن الاتحاد الأوربي على سبيل المثال ينص على( أن مساهمة المواطنين في التنمية لا يجب أن تقل عن92% من التكاليف الإجمالية) وليس تركها في يد البلديات في المناطق التي تحدد نسباً لمساهمة القطاع الخاص ومن المهم التركيز على التطور العمراني والامتداد الرأسي خاصة في مناطق الخدمات بالمدينة حتى تعطى الفرصة لتوفير أقصى عدد من الشقق بدلاً من التسويق العقاري الأفقي للفلل الدوبلكس والأراضي وغيرها.. ومن الجيد في الإستراتيجية المقترحة استرداد أراضي المنح غير المستفاد منها مما سوف يزيد بشكل كبير في مخزون الأراضي المتاحة ويقلل من الآثار السلبية الناجمة عن الاحتفاظ بالأراضي..وكذلك نظام مراقبة الأراضي والإيجارات الذي يساهم في استقرار الأسعار ومنع المضاربة فيها.. وتحتاج مثل هذه الإستراتيجية الوطنية للإسكان إلى آليات دعم قانونية حتى تؤتي ثمارها وتسهم في حل مشكلة الإسكان وتعيد الأمور إلى نصابها(إن الله ليزعن بالسلطان ما لا يزعن بالقرآن)..ففي تصوري أن الدراسة قد طالت في شأن هذه الإستراتيجية وما تتبناه من حلول ..ويتطلع الكثير من المواطنين الذين لم تسعفهم ظروفهم خلال ما مّرت به البلاد من طفرة، وقد حال جشع تجار العقار، واحتكار فئة لأراض بيضاء واستئسادهم بأراضي المنح دون غيرهم ..حال كل ذلك دون بناء مساكن تسترهم وعيالهم وترحمهم من غلاء أسعار الفلل والشقق والأراضي. دوحة الشعر... يارب تعلم من نفسي سرائرها برّي بأمّي يا مولاي يحميني فالنفس ضاقت وحبل المكر يخنقني لكن حبل إله الكون ينجيني