الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد: فإن الحج عبادة عظيمة تجمع بين العبادة البدنية والعبادة المالية وهو من أنواع الجهاد في سبيل الله إلا أنه لا قتال فيه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. وهو الركن الخامس من أركان الإسلام وحج البيت واجب كل سنة على الأمة لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) فهو من هذه الناحية فرض كفاية وأما بالنسبة للأفراد فالحج مرة واحدة في العمر على المستطيع كما قال تعالى: (مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، وقال صلى الله عليه وسلم: «الحج مرة واحدة، وما زاد فهو تطوع» وهذا من رحمة الله سبحانه فإنه لما كان الحج يحتاج إلى مال ينفق فيه وإلى قوة بدنية ويحتاج إلى سفر من مسافات بعيدة جعله الله مرة واحدة في العمر. فمن استطاع الحج بدنيًا وماليًا وجب عليه أن يباشر الحج بنفسه. ومن استطاعه ولم يستطعه بدنيا لعجز بدني مستمر فإنه يوكل من يحج عنه ويقوم بتكاليف الحج من ماله. وأما تكرار الحج فهو مستحب إذا لم يترتب عليه أضرار بدنية بسبب الزحام الشديد والأخطار المترتبة على ذلك. فإذا كان هناك أضرار فترك الحج النافلة أفضل لاسيما وهناك أعمال خيرية كثيرة ومجال واسع لمن يريد الخير من إطعام المحتاجين وإعانة المعسرين والإسهام في المشاريع الخيرية النافعة. وأيضًا لا بد من التقيد بالأنظمة التي وضعتها الدولة لمصالح الحجاج كتحديد عدد الحجاج لكل دولة. فلا تجوز مخالفة هذا النظام والحج من غير ترخيص وتعريض الإنسان نفسه للمسؤولية التي قد يرتكب بسببها محظورات في الإحرام. ولا يؤدي الحج على الوجه المطلوب بسبب كثرة الزحام مما يجعله يترخص في أداء المناسك فيكون حجه ناقصًا وقد يكون غير صحيح بسبب ما يترك من المناسك أو لا يؤديه على الوجه المطلوب. ولا سيما النساء لما يتعرضن له من الخطر الشديد والمشقة الصعبة. فمن أدى فرضه فالأولى ألا يكرر الحج في هذه الظروف الصعبة ويترك المجال لغيره ممن لم يحج. قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان)، وقال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)، وكما أسلفنا هناك مجالات واسعة لفعل الخير غير حج النافلة بإمكان المسلم أن يسهم فيها. وقد يكون أجرتها أعظم من حج النافلة. هذا لو كان الحج متيسرًا فكيف إذا كان الحج متعسرًا كما هو الحال في هذه الأزمان. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه * عضو هيئة كبار العلماء