رحيل الرجال الأفذاذ، الذين يؤثرون في الحياة العامة والخاصة في شعوبهم، ويتركون فراغًا كبيرًا في مجتمعاتهم خسارة فادحة، ولاسيما إذا كان التأثير في معانٍ ساميةٍ، وعطاءات فيّاضةٍ في كل وجوه الحياة السياسية، والتنموية، والاجتماعية، والخيرية، ويرسّخون في أذهان الأجيال الأعمال الجليلة التي تقفز ذكراها في كل لحظة؛ وحين تتوارثها الأجيال بعد رحيل أولئك عن الحياة الفانية، وينظرون لها بعين الإكبار والإجلال، ويُسجّلونها في ذاكرتهم بمداد من ذهب، وقليلٌ هم مَن يحفرون في أمواج البحر ذكراهم، وينحتون أسماءهم على صخور الإنجاز التي لا تؤثر فيها عوامل التعرية، وزوابع تقلّبات المناخ، وتعاقب الوجوه، واختلاف أنواع العطاء الاجتماعي والتنموي. فسجلات عطائهم لا تختفي عند رحيلهم إلى الدار الآخرة، بل تبقى متجددة في أذهان الأجيال، وتبقى إنجازاتهم شامخة تشخص لها الأبصار بحسرة وألم. هذه المعاني تمثلت في تاريخ فقيد الوطن والجود الأمير المحبوب سلطان بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- صاحب التاريخ الحافل بالمنجزات، ليس على مستوى المملكة فحسب، بل امتدت أعمال الخير في كثير من الدول العربية والإسلامية، كيف لا؟! وهو أحد أبناء مؤسس هذا الكيان الكبير، وجامع شمل الجزيرة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-. فالأمير سلطان أحد الرجال الفاعلين في بناء المملكة العربية السعودية على أسس متينة، وذلك من خلال المناصب القيادية البارزة في تاريخ المملكة، التي تسنّمها في حياة والده، ومن ثم في عهد إخوانه الملوك: سعود، وفيصل، وخالد، وفهد -رحمهم الله جميعًا- فقد كان أميرًا لمنطقة الرياض، ثم وزيرًا للزراعة، ثم وزيرًا للمواصلات، ثم وزيرًا للدفاع والطيران، ومن ثم نائبًا ثانيًا لرئاسة مجلس الوزراء في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز، ثم وليًّا للعهد ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للدفاع والطيران ومفتشًا عامًّا في عهد خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز. فكان نعم العضد، آزر إخوانه الملوك في كل مجالات الحياة. وقد كان -رحمه الله- صاحب حضور متميّز في المحافل الدولية داخليًّا وخارجيًّا، قويًّا في الحق، سخيًّا في العطاء، فلا يُذكر مشروع خير، أو إغاثة ملهوف، سواء في المملكة، أو خارجها إلاّ ولسلطان الخير يدٌ بيضاءُ فيه. شامخًا في المدلهمّات، بسيطًا للضعفاء والمعوزين، قريبًا من أبناء وطنه. إنه رجل أمة، غيابه أمر جلل أدمى القلوب، وخسارة فادحة على المملكة العربية السعودية، والدول العربية والإسلامية والصديقة، فأجفت الدموع العيون، ولا يسعنا في هذه المناسبة الأليمة إلاّ أن نرفع -بحرارة وألم- عزاءنا لخادم الحرمين الشريفين، وللأسرة السعودية الكريمة، وللشعب السعودي الوفي لغياب رجل الدولة، وصاحب الأيادي البيضاء سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز، أسكنه الله فسيح جناته. (إنا لله وإنا إليه راجعون).. والله المستعان.