وجرى القدر بما كُتب، وانتهى الأمر إلى أجل، ولكل أجل كتاب. لقد طوى الفضاء خبر مؤلم محزن فزعت فيه القلوب، تود لو أنه لا حقيقة خلفه ولا صدق. مع رحيل الأمير سلطان بن عبد العزيز يرحمه الله، تُطوى صفحات متألقة من فنون القيادة السياسية الحديثة، كما تُطوى صفحات مشرقة من التاريخ السياسي العربي الرشيد. أكثر من 60 عاما من العطاء المتواصل الذي بذله الأمير الراحل منذ توليه إمارة الرياض في عهد والده المؤسس ثم توليه أكثر من حقيبة وزارية في عهود إخوته السابقين، وحتى تعيينه وزيرا للدفاع والطيران منذ نصف قرن مضى. ومع تولي شقيقه الأكبر الملك الراحل فهد بن عبد العزيز زمام الحكم عام 1402ه، أضيف للعبء الكبير عبء منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، ثم ولاية العهد عام 1426ه عند تولي الملك عبدالله حفظه الله زمام الحكم. كان سمو الأمير مدرسة في حد ذاته، دبلوماسيا رفيعا حين يتطلب الأمر ذلك، وإداريا من الطراز الأول عندما يتطلب الأمر ذلك. حازما في لين، وليناً في حزم، ثاقب النظر واسع الخبرة قوي العزيمة. وكان ممن يُشهد له بالدقة في المواعيد، والانضباط في الوقت، وحسن الإعداد لكل مهمة، حتى أنه كان يراجع السيرة المختصرة لكل من يستقبل من كبار ضيوف الدولة ليعطي كل ذي حق حقه من النقاش المثمر المبني على حقائق وأرقام ووقائع. إنها الاحترافية السياسية التي صاحبت شخصية عاشت تجارب الحكم بداية مع الملك الفذّ المؤسس ثم أبنائه الملوك من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد رحمهم الله جميعا، ثم لحين غير طويل مع الملك الكريم عبدالله خادم الحرمين الشريفين ألبسه الله دوما ثوب الصحة والعافية. وعلى الصعيد المحلي الإنساني الاجتماعي، كان من أكثر الناس عطاء وأوسعهم يدا وأكرمهم نفسا وأحبهم إلى الناس خلقا. لا يرد من عليه وفِد، ولا يبخل على محتاج أو ضعيف أو مسكين. ومع تبسطه وأريحيته، كانت له مكانة ومهابة، لكنها مقرونة بطيبة وسماحة. وعلى الصعيد السياسي العربي والدولي، قلما جاراه آخرون في الحنكة والخبرة والتجربة، أياديه بيضاء في لم الشمل العربي، وتعزيز الدفاع الخليجي، ودعم الصمود ضد العدو الصهيوني، والتعريف بدور المملكة على الصعيد الدولي. رحم الله أميرا كان رجل دولة بحق، سياسيا محنكا، ووزيرا مجربا، وقياديا نادرا.