أكد وزير العدل الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى على وجوب التزام النص الشرعي في تطبيق العقوبات البديلة، وعدم الخروج عنه، أو مخالفة مقصده بأي وجه كان، مع ضمان حق المجني عليه، وحق المجتمع، والأخذ بعين الاعتبار حكمة التشريع من التأديب ولاسيما ما يتعلق بمقصد الزَّجْر والرَّدْع، مَعَ إِعْمال فقه الموازنات وفق قاعدة المصالح والمفاسد، ومن ذلك عدم دخول أرباب الجرائم الكبيرة والخطرة في الخيار البديل. جاء ذلك في كلمة وزير العدل لدى افتتاحه ملتقى: «الاتجاهات الحديثة في العقوبات البديلة» الذي نظمته وزارة العدل ضمن مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء، بحضورعدد كبير من أصحاب السمو والمعالي، وجمع كبير من المختصين والمهتمين في الميدان القضائي والحقوقي والاجتماعي والأمني من داخل المملكة وخارجها. وأوضح في كلمة ألقاها في بداية حفل الافتتاح والمؤتمر الصحفي أن هذا الملتقى يأتي في إطار المحاور العلمية لمشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء، مشيرًا إلى أنَّ محاور المُلتقى تستهدف تسليط الضوء على المستجدات والنظريات الحديثة في مادته ودراستها وفق النصوص والمقاصد الشرعية مع الأخذ في الاعتبار الجوانب الاجتماعية والنفسية والأمنية والاقتصادية، مؤملاً بأن تحقق توصياته طموح الجميع وأن تجد طريقها نحو الإفادة منها من خلال تضافر الجهود وتعاونها فيما بينها. وتابع الوزير قائلاً: إن أحكام الشريعة أحكام أصلية لا تبعية فيها، ولا بَدَلِيَّة.. وهي النصوص التي بينت حدود الشرع ونظمت أحوال البلاد والعباد، ورتبت المصالح، ونقصد بالتبعية هنا المجاراة والمحاكاة، والبدلية إحلال حكم محل آخر بالخيار المجرد على هيئة الأصيل والرديف، ولا نقصد بالتبعية التراتبية، فهذه ترد في بعض الأحكام كما في حرمان القاتل من الميراث، ولا بالبدلية الانتقاليّة كما في الانتقال للدية عند العفو عن القصاص، وفي إزاء تلك الأحكام الأصلية أحكام تأييدية لحماية تلك النصوص، وهذه الأخيرة نوعان: منها ما هو مقدر شرعًا يجب الالتزام بنصه في التطبيق، ومنها ما هو مُفوَّض لم يحدد الشرع مقداره ومرده السلطة التقديرية للقاضي، ما لم يكن نص نظامي أو مبدأ قضائي. وتابع : قد يحصلُ الوهمُ لدى غير المُخْتصِّين في التَّشريع الجنائيّ الإسلاميّ والقانون الوَضْعيّ عندما سماعه بمصطلح العقوبات البديلة متصوّرًا بأنها بدائل للأحكام النصية، وأن الذي حمل على تجاوزها إنما هو التجاسر على أحكام الشريعة، أو على أحسن الأحوال التطبيق الخاطئ لمفاهيم السياسة الشرعية، أو الإخلال بمفاهيم وضوابط تغير الفتاوى والأحكام بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والعوائد، ويزول هذا الوهم الخاطئ إذا عُلم أن العقوبات البديلة لا تنسحب إلاّ على أبواب التعازير فحسب، وهي ما لا نص شرعيًّا في تقدير عقوبتها، بل مردها -إن لم يكن نص نظامي، أو مبدأ قضائي- إلى اجتهاد القاضي وفق سلطته التقديرية بما يحقق المصالح، ويدرأ المفاسد مراعيًا في ذلك ما سبق ذكره من ضمانات وشروط استعمال هذه السلطة، مع أهمية استصحاب مقصد إصلاح الجاني، وإعادة تأهيله لحفظ نفسه وأسرته ومجتمعه في ضوء تلك الضمانات والشروط، وثمة تصنيفات وفروقات أخرى تتعلق بالسن والجنس والسوابق، أما مَنْ لم تُجْدِ معه العقوبة البديلة فمرده إلى العقوبة الأصلية لتأصل الجرم في نفسه، ودخوله في دائرة الخطر على مجتمعه. وعلق الوزير العيسى على عقوبة الجلد تعزيرًا وقال: إنها في غير الحدود شأن اجتهادي متاح لناظر القضية، وقد يأخذ بها القاضي لظروف وملابسات، وقد يتركها لظروف وملابسات أخرى على أنها لم تقدر في الشرع الحكيم إلاّ في قضايا لها طابع الخطورة على سلامة الأفراد والمجتمعات، ولم تُشرع فوق الجلدات العشر إلاّ في حدٍّ من حُدود الله، والمقصود بها الحواجز الحدية لمنع الدخول في محظورات الشرع النصية أمرًا ونهيًا، بعد ذلك ألقى مدير الشؤون الجنائية، والعفو في وزارة العدل بالمملكة المغربية الدكتور محمد النباوي كلمة المشاركين قدم فيها شكره لوزارة العدل على تنظيم هذا الملتقى، والذي يهدف إلى تفعيل الأدوار الايجابية لبدائل السجون، والتي ستعود بفوائد جمة للسجين وأسرته وكافة أفراد المجتمع والوطن. النصار: “البديلة” مقتصرة على التعزيرية عقب ذلك عبّر معالي رئيس ديون المظالم الشيخ عبدالعزيز بن محمد النصار عن شكره الجزيل لمعالي وزير العدل على هذا الملتقى المهم مؤكدًا في كلمته أن مجال العقوبات تقتصر على العقوبات التعزيرية فقط، حيث ترك الشارع لولاة الأمر، ومن في حكمهم الحق في تحديد العقوبات المناسبة لكل جانٍ، وكل حدث، وقال يجب ألاّ يغيب عنا أمران أن إيجاد بدائل للعقوبات ليس المقصود بها تهوين العقوبة، إضافة إلى السعي لإيجاد عقوبات بديلة، ولا شك أن ذلك ليس مختصًا بأهل الشريعة، وإنما على مستوى جميع المختصين من أهل العلم. بن حميد: الاطلاع على التجارب محليًّا وعربيًّا وعالميًّا وأكد رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد أن الشريعة الإسلامية مستمدة من الكتاب والسنّة، ولا مانع للقاضي من سلطات تقدير واسعة ينظر فيها. وبيّن أن العقوبة في الشريعة الإسلامية جمعت بين العدل والرحمة بين الناس، وحمت المجتمع من شر ضعاف النفوس، وحمت الجاني من التمادي في إجرامه. وأضاف: إن التعزير بابه واسع في الاجتهاد، وليس توقيفيًّا، حيث أعطت الشريعة ولاة الأمر، وأصحاب الاختصاص الحرية في اختيار العقوبة المناسبة لحالة الحدث نفسه، ودعا في ختام كلمته إلى التواصل مع الجهات ذات الاختصاص ببدائل العقوبات، والاطّلاع على التجارب المحلية والعربية والعالمية في هذا المجال. الحارثي: وثيقة الرياض تضمنت بدائل العقوبة أثناء التحقيق وقال مدير الإدارة العامة للسجون اللواء علي بن حسين الحارثي إن المديرية العامة للسجون عمدت منذ العام 1422 على الاهتمام بهذا المبدأ، فعملت وثيقة سميت بوثيقة الرياض مع المختصين في دول مجلس التعاون، وأقرها وزراء الداخلية في دول المجلس، وتضمن بدائل العقوبة أثناء التحقيق، ولها عدد من البدائل، وبدائل العقوبة أثناء ما بعد المحاكمة، ثم عملت المديرية العامة للسجون على إقامة ندوتين في عام 23، وعام 28 خصصتا لبدائل السجن، وخرجت توصيات عدة صدر من خلالها توجيه مقام خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- قبل عامين لصاحب السمو الملكي الأمير نايف النائب الثاني وزير الداخلية، ولرئيس المجلس الأعلى للقضاء ولمعالي وزير العدل بالأخذ بهذا الأمر.