أسلم عمر قوياً، وهاجر قوياً، وقتل قوياً، شمر قميصه في اليقظة فجره في المنام، أراد صلى الله عليه وسلم أن يدخل قصره في الجنة فذكر غيرته فلم يدخل. انتقل من عمير إلى عمر، إلى الفاروق، إلى أمير المؤمنين. إسلامه فتح هز مكة، ووقف النصر على بوابة مدينة الإسلام منادياً: ((ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ)) وهجرته نصر لأنه هاجر متحدياً شامخاً ظاهراً، وخلافته رحمة؛ لأنه أول الجائعين والمساكين والزاهدين. شكراً لذاك الفذ ليت حياته طالت وليت سنينه أحقابا وضع يمينه في يمين الرسول صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم، فعز الإسلام، وارتفعت الأعلام، وانهزمت الأصنام، واندك الباطل، وسحق الزيف، وقمع الضلال، وغربت شمس الزور. وضعها في يمين أبي بكر في سقيفة بني ساعدة، فساد الأمن، وتوطدت الخلافة، وحسمت الفتنة، كسر بسيف الشرع ظهر كسرى، وقصر بالحق آمال قيصر، وأرهق بكتائب الله هرقل. إذا سمع الباطل أزبد وأرعد، وتهدد، وقام وقعد، وأنجز ما توعد، وإذا سمع القرآن بكى وشكى وتململ وتزلزل. كان عمر في جبين الدهر درة؛ لأنه قرع الظلم بالدرة، فلله دره. حلف الزمان ليأتين بمثله حنثت يمينك يا زمان فكفر خاف منه الشيطان، وارتعد لرؤيته الهرمزان، وانتهت به دولة آل ساسان. أيا عمر الفاروق هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر تناديك من شوق مآذن مكة وتبكيك بدر يا حبيبي وخيبر درته لله درها، وما أدراك ما هي: درة عمر لخفق رؤوس الضلال، وضرب أكتاف الظلمة الجهال، وتأديب العمال. قميص عمر مرقع تغير لونه بدم عمر يوم طعن، فصاح لسان حال عمر: اذهبوا بقميصي، وائتوني بكفن فقد مللت الحياة. طاش عقل صبيغ بن عسل بالترهات وفاش، فأحضر عمر الدرة، وخفقه حتى فقد وعيه ثم أيقظه وقال: كيف تجدك؟ فصاح: أصبحنا وأصبح الملك لله. تشفي بسيفك داء الناكثين له وتجعل الرمح تاج الفارس البطل طعن في الصلاة، ومات في المحراب، ودفن في الروضة: بنفسي ذاك الربع ما أحسن الربى وما أحسن المصطاف والمتربعا هدمت به قصور فارس؛ لأن بيته من طين، وكسرت به سيوف رستم؛ لأن في يده درة، وخلعت به تيجان آل كسرى؛ لأن قميصه مرقع. له ثلاث وقفات، وثلاث رؤى، وثلاث كلمات، وطعن بثلاث طعنات. وقفة يوم أسلم ويوم هاجر ويوم بايع الصديق، ورؤيا القميص يجره في المنام، ورؤيا قصره في الجنة، وطعنة الشهادة والبطولة والانتصار. تعرض للموت في كل مكان، فما وجده إلا في المحراب، دوخ ملوك العالم فقتله عبد، قتل ساجداً؛ لأن قاتله لم يسجد أبداً، خرج اللبن الذي شربه يوم طعن؛ لأنه اكتفى بفضل ما شربه من لبن الرسول صلى الله عليه وسلم.