قرأت قصة الأسد الذي اغتال مُدربه في سيرك القاهرة ؛ والتي تقول تراتيلها إن الأسد قفز على مدربه من الخلف وأنشب مخالبه وأسنانه في ظهره ، وسقط المدرب ينزف دماً ومن فوقه الأسد الهائج ، حاول الحضور عبثاً إنقاذه ، ولكنه فارق الحياة في المستشفى بعد أيام ، ولكن الأمر لم ينتهِ عند هذا الحد ، بل انعكس هذا الجُرم على نفسية الأسد سلباً ؛ حيث أصيب بحالة اكتئاب صاحبها رفضه لتناول الطعام ، الأمر الذي حدا بالقائمين على الحديقة محاولة إخراجه من هذه العُزلة ، ولكن دون جدوى ، بل تطورت حالته إلى أن أصيب بموجة جنونية أفقدته صوابه ، فراح يعض ذراعه التي اغتال بها مُدربه ، وأخذ يأكل منها في وحشية حتى نزف ومات ، واضعاً بذلك خاتمة لقصة ندم تُسجل بمداد من ذهب . المتأمل في هذه القصة و ما يمارسه النظام السوري في أبناء شعبه يجد بوناً شاسعاً بين وحشية الإنسان ، وآدمية الحيوان ، فبينما ندم الأسد على فعلته الشنيعة بقتله مُدربه فقط ، وحاسب نفسه بنفسه ؛ لسبب بسيط يتمثل في معرفته لمعنى الوفاء ، نجد النظام السوري تتوالى ضحاياه يوماً بعد يوم بشكل مُخيف ، مُستخدماً الآلة العسكرية والأسلحة المُحرمة دولياً دون أدنى ذرة ندم ، أو لحظة خجل من الله أولاً أو من العالم الذي أصابه الوجوم ثانياً جراء نظام يقوم بقصف شعبه الأعزل بالطائرات ، ويُحاصر المدن بالمدرعات ، ويستخدم عناصره الشبيِّحة لاصطياد المتظاهرين ببنادقهم الرشاشة في غياب فاضح لأبجديات الوفاء . يقول الدكتور مصطفى محمود مُعلِّقاً على قصة الأسد الذي افترس مدربه " درس بليغ يُعطيه حيوان للمسوخ البشرية التي تأكل شعوباً ، وتقتل ملايين في برود على الموائد الدبلوماسية ، وهي تقرع الكؤوس وتتبادل الأنخاب ثم تتخاصر في ضوء الأباجورات الحالمة ، وترقص على همس الموسيقى وترتشف القبلات في سعادة وكأنه لا شيء حدث " ؛ فإذا كان هذا كلامه القاسي عن تداعيات قصة حيوان أنحنى له احتراماً ، بل وصف نعته بالإنسانية ظلمٌ ومسبة له ؛ فماذا عساه أن يقول لو كان حيِّاً عن مجازر النظام الذي لم يرحم طفلاً في مدرسته ، ولا امرأة في خدرها ، ولا شيخاً في مضجعه ، ولا شاباً في مقر عمله ؟! اعتقد أنه لن يجد ما يُعبِّر به عن الواقع المؤلم ؛ لأن المساحة الفاصلة بين الآدمية كصفة للإنسان ، والوحشية كصفة للحيوان ، أصبحت معادلة أصبحت مقلوبة .