(31) قصة تنوعت في حجمها بين القصيرة والقصيرة جداً، أنجزت بين عامي (2004 و2011م) وهو ما انعكس إيجاباً على هذه التجربة والتي قطعت أشواطاً عديدة من حيث اللغة والبناء وثراء التعبير الذي بدأ ماثلاً في جميع قصص المجموعة الأولى والتي صدرت عن دار “كتّاب” للنشر والتوزيع المجموعة القصصية للباحث والقاص الإماراتي سلطان العميمي مدير أكاديمية الشعر في أبوظبي، وحملت المجموعة عنوان “الصفحة 79 من مذكراتي”. والذي يظهر اشتغال الكاتب على عامل الجذب، فعنوان المجموعة هو عنوان مفتوح وقابل للتأويل، وقد يحمل في ذهن القارئ أكثر من تفسير له، ويمكن إسقاط ذلك على العناوين الداخلية التي جاء معظمها معبراً عن مضامين النصوص، ولكنه في الوقت نفسه يحمل شيئاً من الغموض الذي يحمّس القارئ للدخول إلى أعماق النص. حيث تعتبر الفترة الزمنية الفاصلة بين كتابة هذه القصص تدلل على أن الكاتب لم يقع في الاستعجال، بل كان متأنياً وقد أعطى العمل حقه من حيث الوقت منحازاً للنوع على حساب الكم بالرغم أنها المجموعة القصصية الأولى للمؤلف «العميمي» والذي يتفوق في سرد الأحداث بأسلوب مشوق وجاذب للانتباه، ويظهر ذلك في القصص القصيرة كما في قصص “ركض بعيداً، السنطوانة، رسائل، قبور، الاختيار، الهروب الأخير، للذكرى يا صديقي، ناطحة سحاب” وغيرها من القصص التي اتخذت طابعاً حوارياً مشوقاً يجبر القارئ على تتبع أحداث القصة. أما القصص القصيرة جداً، فكانت قريبة من شكل ومضمون النثر الشعري الحديث، الذي يرتكز على عنصري التكفيف والمفارقة في قفلة المقطع أو الجملة الشعرية، وهو أسلوب درج عليه العديد من كتّاب قصيدة النثر، وتضّح هذه التقنية في نصوص لا تتجاوز في معظمها خمسة سطور مثل “تحولات، حقيقة، عود ثقاب، قلم، أحلام مستعارة، مفتاح، أصابع، أمنية” وغيرها من القصص التي يبرز فيها عنصرا المفارقة والدهشة وتحاكي روح القصة بنفس شعري أخّاذ، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك نص: (سندباد) حيث يقول الكاتب: «تحولتُ إلى سندباد لا يعرف السباحة/ وتحوّلتْ إلى طائر لا يعرف الطيران/ قلت لها أعلمكِ الطيران وتعلمينني السباحة/ وافقت/ علمتُها السباحة فطارتْ/ وعلمتني الطيران . . فغرقْتْ». إن موضوعات هذه المجموعة لم تقف عند حدود السائد، والمعاد طرحه في العديد من المجموعات السابقة لكتّاب القصة، وإضافة إلى كونها تحمل خصوصية من حيث البناء والسرد، فهي تحمل أيضاً خصوصية لافتة في الطرح، والموضوعات التي تناولت في كثير من الأحيان تفاصيل في حياة الفرد والمجتمع. كما يعاين العميمي في عدد من القصص مجموعة من القضايا التي توجد في كل مجتمع، ويكشف حيناً عن العادات المحببة للبعض، وحيناً آخر يكشف عن عادات سيئة كالكذب مثلاً، وهو يعالج ذلك بفنية عالية .يقول في نص (حقيقة):»انتشرت إشاعة قوية بأن عرّافاً يفضح الكذابين سيزور قريتنا يوم الاثنين/ وفي صباح الاثنين/ خلت الأسواق ودور العبادة والمرافق الحكومية من الناس تماماً/ وكان الأطفال يلهون وحدهم في القرية.