تثير التحولات في المنطقة العربية جدلا حول مصير المسيحيين الذين يتخوفون من وصول متطرفين الى السلطة، ما دفع بعض القيمين عليهم الى الدفاع عن انظمة تقدم نفسها على انها حامية الاقليات في المشرق العربي. ويرى خبراء ان الضمانة الوحيدة للمسيحيين تكمن في الانخراط في عملية التغيير الديموقراطي، ولو انهم لا ينكرون خطورة المراحل الانتقالية التي قد تحمل تطرفا وفوضى. ويقول السفير السابق عبدالله ابو حبيب، مدير مركز عصام فارس للابحاث الذي يتخذ مقرا له في الجامعة الامريكية في بيروت، «هناك خوف لدى المسيحيين من المستقبل، فالقوى المتشددة قوية والقوى الديموقراطية قوية ايضا، واستتباب الديموقراطية يتطلب وقتا»، ويضيف «نحن امام مرحلة انتقالية يقلق المسيحيون من ان تكون كافية لافراغ الشرق من الاقليات». ويقول ابو حبيب، وهو نائب رئيس الرابطة المارونية (هيئة مؤلفة من فاعليات من الطائفة المارونية)، ان «مصدر الخوف هو ما جرى في العراق الذي يعد هو الآخر في مرحلة انتقالية» بين حكم الرئيس السابق صدام حسين واستتباب الديموقراطية، مضيفا «عندما تنفلت الامور لا يمكن السيطرة على الاوضاع، وهذا ما يخيف فعلا». وكان عدد المسيحيين في العراق يتراوح بين 800 الف ومليون ومئتي الف قبل الاجتياح الامريكي في 2003، وفقا لمصادر كنسية ومراكز ابحاث. ولم يبق منهم سوى اقل من نصف مليون اثر هروب مئات الالاف من اعمال العنف. ويرى ابو حبيب ان «الاقليات التي تشعر انها الحلقة الاضعف، قد تقف الى جانب الانظمة التي تشعرها بالامان (...)، علما انها لن تكون مستاءة على الاطلاق اذا تحول الشرق الى انظمة ديموقراطية». ورغم ان عددا كبيرا من الاقباط المسيحيين شاركوا في ثورة 25 يناير في ميدان التحرير في القاهرة، فقد وقعت بعد انتهاء الثورة اشتباكات طائفية متفرقة بين اقباط ومجموعات اسلامية، اوقع احدها 20 قتيلا في مايو. وفي سوريا، حيث المسيحيون تقليديا يقيمون علاقات جيدة مع النظام، يخشى البعض من اعمال انتقامية تطالهم في حال صعود نفوذ الاسلاميين او نتيجة الفوضى المتزايدة في البلاد مع استمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة باسقاط الرئيس السوري بشار الاسد منذ منتصف مارس والتي اوقعت اكثر من 2700 قتيل بحسب منظمات دولية. وقد عبر بطريرك انطاكية وسائر المشرق للموارنة بشارة الراعي في الفترة الاخيرة عن هذه الهواجس، محذرا من وصول اصوليين سنة الى السلطة في سوريا، ومتخوفا من «خطورة المرحلة الانتقالية على المسيحيين». وجدد الثلاثاء التعبير عن مخاوفه هذه، قائلا «نحن نرى نموذج العراق ماثلا امامنا (...). الديموقراطيات أصبحت حربا أهلية وأدت الى تهجير المسيحيين». وينظر مسيحيو الشرق اجمالا الى مسيحيي لبنان على انهم يتمتعون بالوضعية الافضل من حيث الحريات، وخصوصا من حيث الدور السياسي. فالدستور في لبنان يكفل للمسيحيين، الذين لم يعد عددهم يتعدى 35 في المئة من مجمل السكان، المناصفة في المناصب الرسمية ووظائف الدولة العليا، كما أن رئيس الدولة في لبنان هو الرئيس المسيحي الوحيد بين العرب. ويقلل مراقبون في المقابل من حجم الحركات الاسلامية او على الاقل من قدرتها على التاثير على المدى البعيد. ويقول جورج اسحق، منسق حركة كفاية التي ساهمت في الثورة المصرية «لا ارى اي مشكلة في وصول قوى اسلامية الى الحكم من خلال انتخابات حرة ونزيهة. هذه القوى تقول منذ عقود انها لم تحكم... فليحكموا وليحكم الناس على ادائهم». ويضيف «ان المناخ المحلي والعربي والعالمي لم يعد لصالح التيارات المتشددة». ويقر الباحث والاستاذ في الجامعة الامريكية في باريس زياد ماجد بان الاسلاميين «هم الاقدر على جني الثمار في المراحل الاولى» بعد الثورات، لكنهم «لن يستطيعوا فرض أجندات ضيقة حتى لو أعطتهم صناديق الاقتراع مشروعيات شعبية». ويضيف «ثمة عالم عربي جديد أفقنا عليه مطلع العام 2011 ولن يكون ممكنا إعادة بعث أنظمة الأفراد والعائلات والحزب الواحد وقوانين الطوارئ.. هذا برأيي انتهى». ويميز ماجد «بين خوف مشروع للأقليات، دينية او اثنية او فكرية، في منطقة شهدت على مدى تاريخها اضطهادا واستبدادا، وبين تحول هذا الخوف الى تفضيل للاستبداد وابتزازته او التحالف معه خوفا من الأكثرية». ويقول ان «الحكم الديموقراطي واحترام التنوع وحماية الحريات هو الحل والضمانة. على هذا الأساس، يجب الانخراط في المسارات السياسية وعدم الانكفاء او الانزواء». ويؤكد الكاتب والمعارض السوري ميشال كيلو بدوره في مقال نشرته صحيفة السفير اللبنانية اخيرا ان «لا حل لمشاكل المسيحية خارج مجتمعها العربي، أو ضده». ويخلص ماجد «ان بناء جدران خوف جديدة في العالم العربي أمر لم يعد قابلا للتحقيق. ولا أعتقد ان الجيل الجديد، مع علاقته بالمدينة والفردية والعلم والانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، سيقبل بأي استبداد جديد من أي نوع كان».