ما لم تفهمه الأنظمة الطغيانية حتى الآن، هو أن لجوءها إلى القمع الوحشي لمواجهة جموع المتظاهرين والمحتجين، لن يساهم في شيء بقدر ما سيساهم في إزالة حاجز الخوف من نفوس الناس. هذه الأنظمة تستمد قوتها كلّها من قدرتها على إثارة الرعب في نفوس مَن تحكمهم. لكن هذه الأنظمة تفقد قوتها بالكامل بمجرد أن تلجأ إلى استخدام العنف والبطش والوحشية كما رأينا ونرى في أكثر من بلد عربي. لقد سقط حاجز الخوف نهائيًّا، لأن الناس اختبروا عمليًّا مرارة القمع الذي كانت تلوح به هذه الأنظمة. ومهما تفننت تلك الأنظمة في التنكيل بالناس، ومهما ابتكرت الجديد من الأساليب لقمعهم ولممارسة العنف بحقهم، فإنها لن تستطيع أن تستعيد هيبتها التي فقدتها مع أول رصاصة أطلقتها باتجاه حشود المحتجين والثائرين المطالبين بإسقاط النظام. اللجوء إلى العنف المباشر، أو العنف العاري يعني أن النظام أصيب بالعجز، وفقد قدرته على ضبط الأمور، وأن حالة الخوف التي كان يعمل المستحيل لتصديرها للشعب الذي يحكمه، قد أصابته هو. النظام الذي يطلق الرصاص باتجاه الأجساد العارية إلاّ من إيمانها بالحرية، هو نظام مصاب بحالة هلع من هؤلاء الناس العزل. وهو ما يؤدي ليس فقط إلى كسر حاجز الخوف عند الناس، ولكنه يساهم قبل أي شيء في إعادة اكتشاف الشعب لمصدر قوته. وليس هناك مصدر قوة للشعوب يوازي إيمانها بالحرية ورفضها للاستعباد. ما لم تفهمه هذه الأنظمة الطغيانية أيضًا هو أن الشعوب التي تعرضت، وتتعرض لحملات إبادة جماعية، أصبحت متيقنة تمامًا من أنه لم يعد لديها ما تخسره، أو تخشى عليه. لقد قطعت ممارسات القمع الوحشية الطريق أمام تلك الأنظمة التي لجأت إليها، ولقد أصبح من المعلوم لدى الشعوب التي قدمت التضحيات العظيمة ودفعت أثمانًا باهظة من دمائها، أن أي تراجع من طرفها سيعيد الوضع ليس إلى مرحلة صفر، ولكن إلى مرحلة ما تحت الصفر نفسه. لقد وضعت الأنظمة الطغيانية شعوبها أمام خيار واحد لا ثاني له: إمّا الحرية وإمّا الموت.