إسماعيل هنية، رئيس وزراء الحكومة المقالة في غزة وأحد حركة قادة (حماس) أعلن رفضه تقديم محمود عباس الرئيس الفلسطيني طلبًا للأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين دولة كاملة بحدود دولية معترف بها، فلا أحد حسب قوله مفوض بأن يفعل مثل هذه الفعلة.. وبنيامين نتنياهو يشارك حركة (حماس) بعدم أحقية محمود عباس المطالبة بإقامة دولة فلسطينية، إلا أن (حماس) ترى أن تكون فلسطين قائمة على كامل الأرض التي تحتلها إسرائيل (أي إلغاء الكيان الإسرائيلي بالكامل) بينما يرى نتنياهو أن المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين وإن طالت لعشرات سنوات قادمة هي التي ستؤدي إلى الوصول إلى الدولة الفلسطينية. يذكر موقف حركة (حماس) الذي عبر عنه إسماعيل هنية بنفس الوقفة المتشددة قبل حوالي أربعين سنة حين اقترح الرئيس التونسي في ذلك الوقت، الحبيب بورقيبة، أن يقيم الفلسطينيون دولتهم على الضفة الغربيةوغزةوالقدس (قبل احتلال إسرائيل هذه الأراضي في حرب 1967) ويواصلوا مطالبتهم بباقي الأرض التي تحتلها إسرائيل.. وحينها انطلق الرفض لفكرة بورقيبة، والهجوم الشديد عليه من القوميين العرب والبعثيين والشيوعيين وباقي طوائف اليسار العربي (لم يظهر حينها الإسلام السياسي بشكله الحالي والذي حل محل تلك الأطياف).. في حين إنه لو قبل الفلسطينيون تلك الفكرة في حينها لكان العلم الفلسطيني يرفرف على القدس وباقي الأراضي التي جرى احتلالها بعد حرب 67.. وواصلوا ما نصحهم به بورقيبة من سياسة «خذ وطالب». على كل حال فإن محمود عباس أعلن أنه سيقدم طلبه إلى الأمين العام للأمم المتحدة للحصول على «العضوية الكاملة» في الأممالمتحدة يوم غد (الجمعة) وسط ضجيج إعلامي وسعي دبلوماسي حثيث من إسرائيل وأمريكا لعدم حصول ذلك.. أمريكا تواجه معضلة بهذا الشأن فهي لا تستطيع التصويت لصالح هذا القرار في مجلس الأمن عندما يعرض الأمر عليه، ولا ترى أن استخدامها الفيتو لإسقاط القرار إذا جرى التصويت وحصل على أغلبية أصوات أعضاء المجلس سيكون لصالحها.. فبموجب ميثاق الأممالمتحدة فإن الدول الساعية لعضوية المنظمة الدولية عليها أن تتقدم بطلب بهذا الشأن إلى الأمين العام للأمم المتحدة للتأكد من أنه يتماشى مع الميثاق، وبعدها يحيله على مجلس الأمن الذي يمكن أن يجيزه بتصويت تسعة من أعضائه لإحالته على الجمعية العمومية للأمم المتحدة حيث تتطلب المصادقة عليه تصويت ثلثي أعضاء المجلس الذين يبلغ عددهم الآن (193) عضوًا. أعضاء في الكونجرس الأمريكي أكثر حماسًا للدفاع عن إسرائيل من الإسرائيليين أنفسهم، وهدّدوا الفلسطينيين بقطع المساعدات الاقتصادية عنهم إن مضوا في مطالبهم بالاعتراف الدولي بدولتهم، وأنذروا المنظمة الدولية بوقف تمويل أنشطة الأممالمتحدة إن وافقت المنظمة الدولية على المطالب الفلسطينية.. وسارعت الإدارة الأمريكية في آخر لحظة إلى إرسال مبعوثين عنها هما دينيس روس وديفيد هيل إلى محمود عباس لثنيه عن مسعاه، وكان الأوروبيون قد سعوا قبلهما إلى إقناع الفلسطينيين بعدم الذهاب إلى الأممالمتحدة لطلب عضويتها، وتقول صحيفة (معاريف) الإسرائيلية إن «بين الأفكار التي تطرح تجميدًا آخر للاستيطان فترة ثلاثة أشهر، وإعلان جدول زمني لستة أشهر للمسيرة السياسية، إضافة إلى ضمانات دولية وبيانات من الرباعية بدعم أمريكي تفيد أن الأساس للمفاوضات هو خطوط 67!! الإدارة الأمريكية مقيدة في نظرتها إلى القضية الفلسطينية بأجندتها الداخلية.. وتعيش إدارة أوباما صراعًا يوميًا مع كونجرس يؤكد في كل يوم تحديه له وقدرته على تعطيل مسيرته.. لذا من الصعب القبول بأي تعهدات تقدمها هذه الإدارة أو الأوروبيون بدعم منها، وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قد خذل البيت الأبيض أكثر من مرة، أكان بشأن وقف الاستيطان أو العودة إلى التفاوض مع الفلسطينيين على أساس حدود 1967، كيف يمكن أن يتوقع الفلسطينيون أن ينجحوا عبر مفاوضات مع الإدارة الإسرائيلية الحالية أو أي إدارة أخرى ما لم تتغير قواعد اللعبة السياسية التي يمارسونها مع تل أبيب منذ عقود وفشلوا في التوصل إلى حلول عبرها؟. الإجراءات التي يتطلبها إيصال الطلب الفلسطيني للعضوية الكاملة بالأممالمتحدة إلى مجلس الأمن سوف تستغرق بضعة أسابيع وربما شهورًا، ومن الواضح أن الأوروبيين والأمريكيين يسعون للوصول إلى حلول مبتكرة مع الفلسطينيين قبل أن يعرض الأمين العام للأمم المتحدة الطلب الفلسطيني على مجلس الأمن بشكل رسمي.. والحل الذي يرجح كثير من المراقبين الوصول إليه هو أن تصوت الجمعية العمومية للأمم المتحدة لقبول فلسطين كعضو يحمل صفة «الدولة المراقبة» أو «الدولة غير العضو»، وهي عضوية تتمتع بها الفاتيكان وتوفر هذه العضوية فتح الباب أمام فلسطين لمواجهة الدولة العبرية بوسائل دولية أكثر فاعلية، ومنها استخدام محكمة الجنايات الدولية ضد الانتهاكات الإسرائيلية والمطالبة بتحرير الأرض المحتلة تحت إشراف الأممالمتحدة. ولا يرحب الإسرائيليون ولا الأمريكيون بهذا الحل، إلا أن هناك أكثر من ثلثي أعضاء الجمعية العمومية من المتوقع أن يصوتوا لصالح هذا الخيار.. وبدون حل يرضي الفلسطينيين فإنه لن يكون أمام عباس سوى الاستقالة والانسحاب من الحياة السياسية وترك إسرائيل، دولة الاحتلال، تعالج مأزقها.. ودفع العالم إلى اتخاذ خطوات أكثر عملية لتحرير الفلسطيني وأرضه المنتهكة.