ينصب اهتمام شركات التطوير العقاري الخليجية الآن على منازل جيدة ولكن أقل تكلفة، بعد أن تضررت من مشروعات عقارية غاية في البذخ أصبحت تشكل عبئًا ماليًّا عليها عندما انفجرت فقاعة سوق العقارات قبل ثلاثة أعوام. ودوافع هذه الشركات اقتصادية في الأساس، لكن تشجعها الحكومات التي تسعى إلى تحسين مستويات المعيشة بعد الاضطرابات السياسية التي شهدتها المنطقة هذا العام. وكان الغياب المزمن لمساكن عالية الجودة وفي متناول الناس لملاحقة النمو السكاني من العوامل التي دفعت إلى الاضطرابات. وقال ديباك جيان مدير الاستشارات الاستراتيجية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة جونز لانج لاسال للخدمات العقارية: «في مرحلة ما بعد الربيع العربي أدركت دول مثل السعودية والبحرين أن المنازل منخفضة التكلفة مسألة مهمة». وأضاف: «التركيز الآن ينصب على البناء حسب الطلب وهو مفهوم جديد نسبيًّا على المنطقة». وأعلنت السعودية عن نيتها إنفاق نحو 130 مليار دولار أي نحو 30 بالمئة من الناتج الاقتصادي السنوي للمملكة على مشروعات اجتماعية، مثل بناء مساكن جديدة وتوفير فرص عمل خلال فترة زمنية، وهذا الأمر يأتي في ظل اهتمام خادم الحرمين الشريفين بتوفير مساكن للمواطنين إذ أعلن في وقت سابق بإنفاق 250 مليار ريال سعودي (67 مليار دولار) لبناء 500 ألف وحدة سكنية جديدة. وتعمل البحرين على سد عجز مستمر منذ فترة طويلة يقدر بنحو 50 ألف وحدة سكنية منخفضة التكاليف على أمل أن يهدي ذلك بعض الشيء الاستياء الذي كان وراء إضرابات شهدتها البلاد في شهري فبراير ومارس. ويمكن لحكومات الخليج عن طريق طرح مشروعات إسكان ضخمة ومنح عقود لشركات تطوير عقاري التأثير على أنواع المساكن التي يجري بناؤها وأسعارها. وفي أبريل على سبيل المثال منحت أبو ظبي عقدًا بقيمة 21 مليار درهم (5.7 مليار دولار) لشركات مرتبطة بالحكومة لبناء منازل للمواطنين المحليين. وقالت إنها تريد توفير منازل حديثة لمواطنيها للمساعدة في تحقيق الاستقرار الاجتماعي. والعديد من شركات التطوير العقاري في المنطقة مملوكة جزئيا للحكومات، أنقذتها الدولة بعد أن تدهورت أحوال السوق وأثقلتها الديون قبل عامين أو ثلاثة. وحصلت الدار العقارية أكبر شركة تطوير عقاري في أبو ظبي على مبلغ 5.2 مليار دولار لإنقاذها من صندوق مبادلة المملوك للحكومة. وحتى بدون تشجيع من الحكومات ترى شركات التطوير العقاري في الخليج أسبابا وجيهة لبناء منازل أكثر تواضعًا. وفي دبي التي تضم أطول برج في العالم وفيلات فاخرة على واجهات مائية وجزر صناعية على شكل نخيل بنتها شركة نخيل تجاهد الشركات لبيع ما تبقى لديها من وحدات فاخرة بعد فورة البناء التي استمرت حتى عام 2008 وتركت العديد من الوحدات الفاخرة في سوق لا يجد الملاك فيها من يشتري أو يستأجر. وشجع ذلك الشركات العقارية على تحويل تركيزها من الفيلات والأبراج العالية إلى منازل لأصحاب الدخول المتوسطة. وقال جيان «في الإمارات جاء أغلب الإقبال من جانب مضاربين. ومثلًا المضاربون أكثر من نصف سوق العقارات. لكنهم ذهبوا جميعًا الآن». وتبلغ قيمة شقة متوسطة تضم غرفتين للنوم الآن أكثر من مليون درهم (272 ألف دولار) في أحياء الطبقة المتوسطة في دبي بعد أن تراجعت الأسعار 50 بالمئة. وتبلغ قيمة شقة مماثلة في لندن ما يزيد على 400 ألف دولار. وقالت شركة الدار العقارية التي بنت حلبة سباق فورمولا 1 والأبنية المرتبطة به في جزيرة ياس ويشمل ذلك مرسى وناديًّا لليخوت إنها تركز الآن على الإسكان المتوسط. وقد تكون البحرين هي المثال الأوضح على التحول في سوق العقارات الخليجية. فالعديد من المباني الإدارية في المنامة التي استكمل بناؤها قبل انفجار الفقاعة العقارية في عام 2008 لتأوي الشركات الأجنبية في المدينة المركز المالي للخليج تقف شاغرة الآن. وأفاد تقرير أصدرته في يوليو شركة كلوتونز العقارية إن ما بين 60 و70 بالمئة من المساحات الإدارية في البحرين هي المستخدمة فقط. ولم تنتعش سوق العقارات السكنية بعد عام 2008 وتبدد أي أمل في استعادة الإقبال على العقارات الفاخرة لدى المستثمرين الإقليميين والأجانب بسبب الاضطرابات التي استمرت شهور في المملكة هذا العام. وقال شاكيل سرور مدير إدارة الأصول في شركة الأوراق المالية والاستثمار في البحرين: «العديد من الشركات العاملة في مجال الخدمات المالية التي كانت تخطط لفتح مراكز لها في البحرين إما علقت خططها أو تحولت إلى دبي.» وهبطت إيجارات المنازل نحو 50 بالمئة في بعض المناطق في البحرين ونزلت أسعار البيع بنسبة مماثلة. وقال كريستيان سيسون مدير التقييمات في شركة كلوتونز ومقره البحرين: «تراجعت معنويات المستثمرين في المملكة والنشطاء منهم يسعون فقط للأصول التي تراجعت قيمتها والمدعومة بأساسيات قوية». ومثلًا دبي لدى البحرين مشروع إسكان ضخم تحت الإنشاء على سلسلة جزر صناعية قبالة الشاطيء وهو مشروع درة البحرين الذي تبلغ تكلفته ستة مليارات دولار. لكن الجزر وبعضها على شكل أسماك أغلبها تضم مناطق سكنية لمتوسطي الدخل تتناقض بشدة مع مشروع نخيل الذي يطرح وحدات عقارية بالملايين للمشاهير ولاعبي الكرة الأوروبيين. وقال جاسم الجودر الرئيس التنفيذي لدرة البحرين: «نخيل لم تفهم سوقها.. نحن نعرف من الذين نبني لهم». وأضاف: «شركات التطوير العقاري في البحرين تدرك الآن أن العجز في قطاع المساكن المتوسطة السعر. وكلنا نستهدف هذه السوق الآن». وقال سليمان وهو سائق في البحرين يحلم بامتلاك منزل يومًا: «من يحتاج لأبراج عالية؟.. نحن نحتاج لمنزل جيد». وأضاف أن الحكومات في المنطقة أصبحت أكثر حرصًا الآن على إسعاد مواطنيها»، وتابع: «أعتقد أن الحكومة ربما تستمع إلينا الآن».