طالعتنا صحيفة «المدينة» الغراء في رسالتها الجمعة 28 شعبان 1432ه. بمقال مطول بعنوان: «قبيلة بني سُليم تختلف كثيرًا عن قبيلة بني سَلِمة يا معالي الشيخ» وقد سبق هذا المقال، مقال لمعالي الشيخ عبدالله بن منيع تحدث عن آثار المدينة من الناحية الفقهية، وأبدل بني سلمة ببني سُليم، وهذا غير دقيق من الشيخ المنيع، وقد يكون معالي الشيخ لا يعرف قبائل الحجاز القديمة والحديثة، وليس من شروط الإفتاء معرفة قبائل الحجاز، وإن كان معالي الشيخ وفقه الله له عناية بقومه وله كتاب: «العقد الفريد في نسب الحراقيص من بني زيد» وعدّه الشيخ بكر أبو زيد في طبقات النسابين. كان يكفي دكتورنا الفائدي أن يوضح -كما فعل- أن بني سُليم غير بني سلمة دون استطراد لا مناسب له في ذكر أخبار بني سليم حال شركهم، ونحن نظنّ أنه أراد الفائدة، ونجزم أن مقصده حسن، و لا يقصد الإساءة إلى قبائل بني سليم قديما ولا حديثا. أما تفاتشهم الحديث عن آثار المدينة وما حولها فإني وإياها كعازبة عن طفلها وهي رائم، وإني لمشوق إلى أخبار المدينة وآثارها وأوديتها وأكماتها ورُباها: فوالله لا أدري أيغلبني الهوى إلى أهل تلك الدار أم غالبه فإنْ أستطع أغلب وإنْ يغلب الهوى فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه فلله عينا من رأى مثل أحد وجماله ((إنه جبل يحبنا ونحبه)) وهل أُحد باد لنا وكأنه حصان أمام المقربات جَنيب يَخب السراب الضحل بيني وبينه فيبد لعيني تارة ويغيب أما بنو سَلمة فهم أحد فروع الخزرج من الأنصار، والأنصار رضي الله عنهم فازوا بصحبة ونصرة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم أحب الناس إلى رسول الله، وحبهم من الإيمان وبغضهم من النفاق، وأخبارهم تطرب الأسماع، وتجلي صدى الفؤاد. كرر عليّ حديثهم يا حادي فحديثهم يجلي الفؤاد الصادي وما ظننت أني أعقب على مقال الفائدي لولا كثرة الاتصالات من أبناء القبيلة من المملكة ومن خارجها، كذلك خشيتي أن يكون المقال معتمدًا عند أصحاب «النت» المتربصين بتشويه تاريخ القبائل، المعجبين بنشر مثالبهم مع إغفال أمجادهم ومحاسنهم، إضافة إلى أن الذي وصفهم دكتورنا بالغدر هم صحابة يجب الذود عنهم وإظهار محاسنهم من أجل هذا وذاك أردت مناقشة دكتورنا «تنيضب الفائدي» وإفادة القرّاء في محورين يقدمهما تنبيهات. التنبيه الأول: تاريخ القبائل القديمة وما حصل من حروب بينها وفتن في القرون الأولى من الإسلام تاريخ قد انتهى، وطويت صفحاته بين المسلمين -وإن بقي في بطون الكتب- وطال عليه الأمد، والقبائل الحديثة لا تعرف ما حصل من حروب وفتن بين القبائل في القرون الأولى من الإسلام مثل: الحروب القيسية القضاعية، فلا حاجة لنا في إذكائها، أو تمجيدها، وإنما حاجتنا توحيد الصف والدعوة إلى الأخوة الإسلامية، ومحاربة العصبية الجاهلية، وهذه البلاد قدتوحدت على الإسلام، ونبذ الحميّة الجاهلية، وقد أصبحت قبائل المملكة كأسنان المشط متساوية مترابطة بعيدة عن عهد الفتن في العصور الغابرة، فلا مكان لمن يمجد النعرات أو يدعو لها، أو يحاول الحط من الآخرين في هذه البلاد. بل ويجب علينا أن نتمثل قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) فالعزة في تطبيق الإسلام ومحاربة أهل الضلال في كل مكان. التنبيه الثاني: بعث الله محمدًا على فترة من الرسل، وقد تعرّض للأذى والبلاء من قومه قريش خاصة، ومن قبائل مضر عامة، وقد تبعه أفراد من الناس، وهم في زيادة وهاجر إلى المدينة، فكان الفضل لمن سبق، وهم المهاجرون ثم الأنصار فهؤلاء لهم السبق والفضل على من عداهم، ثم إن الذين شهدوا بدرًا منهم أفضل من غيرهم، ثم الذين شهدوا بيعة الرضوان أفضل من الذين أسلموا بعدهم، والذين أسلموا قبل الفتح لهم مزية على من بعدهم قال تعالى: (لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى). التنبيه الثالث: ذِكْرُ مساوئ الصحابة قبل إسلامهم من طرق ومنهاج أهل البدع، وقد امتلأت كتب الأدب والتاريخ بالنقل عن الكذابين والمبتدعة الذين أكثروا الافتراء على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ونشروا معايبهم حال شركهم ونسوا إسلامهم وجهادهم في الإسلام بل وصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المقرر في الإسلام أن التوبة تجّب ما قبلها. وأن الإسلام يهدم ما قبله، وأي شخص أو قبيلة صدر منها أذى للنبي عليه السلام أو أصحابه،ثم أسلمت فلا تُعيرّ بما اقترفت إبان كفرها، وهم رعيل لا يلحق بهم من أتى بعدهم في فضل صحبة رسول الله عليه السلام ومشاهدته والجهاد معه. قال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله» رواه مسلم. ولما قال أبو هريرة رضي الله في غزوة خيبر لأبان بن سعيد بن العاص رضي الله عنه في حضرة النبي عليه السلام» هذا قاتل ابن قوقل -رجل من الأنصار شهداء أحد قتله أبان يوم أحد- فقال أبان بن سعيد: واعجبًا ينعى علي امرأ أكرمه الله بيدي، ومنعه أنْ يُهنيِّ بيده» رواه البخاري. ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ارتكب بعض الصحابة رضي الله عنهم قبل إسلامهم أمورًا عظامًا من قتل المسلمين كما في يوم أحد، وحادثة بئر معونة، والرجيع وغيرها، ولكن لما أسلموا وصدقوا وجاهدوا هدم الإسلام ما فعلوه، لذلك لا تُظهر أفعالهم في الجاهلية وتطرح في الصحف، وغيرها لقراء تختلف مستوياتهم العلمية دون بيان فضّلهم وإسلامهم وجهادهم. والأحياء الثلاثة «رعل وذكوان وعُصيّة» أسلمت قبل فتح مكة ولم يتخلف منهم أحد له شهرة عن الإسلام، فهم في عِداد الصحابة ولا يجوز لأي أحد أن يتطاول عليهم بعد إسلامهم كان من كان. المحور الأول: يتناول بعض الوقفات مع مقال دكتورنا الفاضل وبيانها فيما يلي: الوقفة الأولى: وصفه بني سُليم بالغدر وكرر ذلك إذ قال: «وتأثر النبي عليه السلام عندما غدرت بنو سليم...». وقال: «... حينما غدرت بنو سليم». والتعميم لبني سُليم بالغدر مع وجود صحابة منهم سابقين فيه مغالطة كبيرة وافتراء على أصحاب النبي من قبيلة سليم ويناقش قوله من وجوه: الوجه الأول: الجناية على بني سليم في تعميمه لهم بالغدر، وكانت بنو سليم حينذاك «25» فرعًا أو حيًا، وهذا بيان فروعهم باختصار: تتفرع بنو سليم بن منصور القيسية إلى ثلاثة فروع كبيرة. الفرع الأول: بنو امرئ القيس ويتفرعون إلى بطون: البطن الأول: بنو خفاف ويتفرعون إلى: 1/ عميرة. 2/ عُصيّة. 3/ ناصرة. 4/ مالك ويتفرعون إلى: أ / زعب. ب/ حبيب. ومنهم الصحابي الجليل الضحاك بن سفيان الخفافي أمرّه رسول الله عليه السلام على بني سليم عام الفتح. ج/ هلال. د/ جّذيمة. ه/ زّبينة. و/ قيس. البطن الثاني: عوف وهي أكثر بني سليم عددًا بعد القرن الثاني وفي هذا العصر ويتفرعون إلى: 1/ سمّال ومنهم الصحابي عروة بن أسماء الذي استشهد في حادثة بئر معونة. 2/ بني مالك ويتفرعون إلى : أ /رعل. ب/ مطرود. ج/ قنفذ. وتتفرع قنفذ إلى علاّق ومنهم الكعوب، وعبدالله ومنهم قبائل لبيد بن هُيب كثيرة العدد ج/جابر د. محارب. البطن الثالث: بَهْز. الفرع الثاني: بنو الحارث بن بُهثْه ويتفرعون: 1/ بني رفاعه، ويتفرعون إلى : أ / حبش. ب/ فُتيّة. ج/ مرداس. د / شيبان. 2/ بنو ظفر. الفرع الثالث: بنو ثعلبة، وهم: 1/ بنو ذكوان. 2/ بنو مالك. 3/ بنو بَجْلة. ومنهم عمرو بن عبسة البجْلي سابق الإسلام إذ يعد ربع الإسلام وخبره في صحيح مسلم. وكما يلاحظ القارئ أن الذين اشتركوا مع عامر بن الطفيل في قتل القراء هم ثلاثة أحياء من «خمس وعشرين» فرعًا فكيف يُعمّ الكاتب بني سليم حينها بالغدر؟.