من نعم الله التي لا تحصى على هذا البلد وأهله وجود الحرمين الشريفين التي هي مقصد كل المسلمين من أنحاء العالم بنص ديني كركن أساسي من أركان الإسلام وهو «الحج لبيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا»، ووسائل النقل أصبحت من أهم الوسائل التي تمكن المسلم من الانتقال من وطنه أينما كان إلى الأماكن المقدسة في مكة والمدينة المنورة والعودة إلى وطنه بعد أداء نسك الحج والعمرة. وبفضل تيَسر تِلكَ الوسائل وسرعتها تتزايد أعداد الحجاج والمعتمرين في كل عام، ومع ذلك فما زال هناك ترتيب يحدد أعداد الحجاج والمعتمرين المسموح بها من كل دولة حسب نسب عدد السكان.. ولو فتح الباب بدون قيود لرأينا ملايين البشر تتدفق على أرض الحرمين الشريفين من كل حدب وصوب لدرجة يتعذر على الإمكانات الموجودة -من مرافق واستعدادات أخرى- الوفاء بخدمتهم وضمان أمنهم وسلامة تحركاتهم -بالمستوى الذي تقوم به المملكة في الوقت الراهن- ولكن المسؤولين في المملكة بالتعاون مع الدول الأخرى يحرصون على تقنين الأعداد المسموح بها في كل عام.. مع فتح المجال للعمرة على مدار العام كل ذلك -في المقام الأول- من أجل الحرص على راحة الحجاج والمعتمرين، ومن أجل التمكن من تقديم خدمات بمستوى عالٍ يُمكِّن ضيوف الرحمن من أداء نسكهم بسهولة، في جو آمن ومريح. والجانب المتعلق بالنقل الجوي تحكمه آليات متعددة أهمها اتفاقية مونتريال الموقعة في (28 May 1999) التي وحدت وحدثت قواعد تنظيم النقل الجوي في العالم، وحددت بالتفصيل الحقوق والواجبات للراكب والناقلة ومسؤوليات الدول في تطبيق ما نصت عليه من قوانين حاكمة. وتشمل التعويضات في حالة الحوادث، وفقدان الأمتعة وتأخير الرحلات، وغير ذلك من البنود التي لا تسع المجال لذكرها. كما أن هناك اتفاقيات أخرى تنص على: تقاسم الحركة الجوية بين الدولة مقصد السفر، ودولة المغادرة، حسب الاتفاقيات الثنائية المبرمة لهذا الغرض مع كل دولة تشغل رحلات جوية من وإلى المملكة، ونصيب المملكة من الحركة الجوية يتيح فرصة ثمينة لتوسيع خدمات الأسطول الجوي، وتطوير المطارات الدولية، ويفتح فرص عمل كبيرة للمواطنين، وله مردود مادي للاقتصاد الوطني. الوضع الحالي -بدون شك- دون المستوى المطلوب لمواجهة التحديات التي فرضتها حركة النقل الجوي المتزايدة باستمرار، والتي بدورها خلقت ضغوطًا على إمكانات المرافق، وعلى قدرة الناقلة الوطنية -الخطوط السعودية- وجعلتها غير قادرة على الاستجابة لمتطلبات السوق.. ومجاراة المنافسة مع الناقلات الأخرى التي تقوم برحلات - من وإلى المملكة- ضمن اتفاقيات الشراكة الثنائية المبرمة معها. سبق الحديث كثيرًا في الماضي عن ضرورة تطوير الأسطول.. وعن فتح المجال لناقلات وطنية أخرى لدخول السوق من أجل المشاركة في تحمل أعباء النقل محليًا ودوليًا.. ولكن التقدم في ذلك الاتجاه شبه جامد لا يتحرك، والعالم يدور من حولنا، والضغوط تتصاعد لطلب حلول عملية لمعاناة المسافرين في النقل الداخلي، وعلى الرحلات الدولية، والإدارات المعنية لديها مبرراتها التي لم تعد مقبولة لدى الجمهور، والمطالبات تتكرر لإيجاد حلول سريعة تفك أزمة النقل في المملكة، وتوسع من الاستفادة من الفرص المتاحة في السوق، الذي تذهب منافعه للناقلات الأجنبية. وللمختصين أقول: إن لدينا مشكلة «سِعَة Capacity« تتمثل في قلة المقاعد التي تتطلب لحلها زيادة عدد الطائرات، وهذا يمكن التغلب عليه بالشراء أو بالتأجير، كما تفعل شركات أخرى، أو عمل ترتيب استثنائي مؤقت لبعض شركات الطيران الأجنبية لخدمة نقاط معينة مثل الرياض - جدة، وجدة - الدمام، تنتهي مدته عندما تتوفر السعة المطلوبة لدى الخطوط السعودية. والجانب الآخر «سِعَة المطارات» Airport Terminals، وعلى وجه الخصوص مطار الملك عبدالعزيز الذي ستأخذ مرحلة التوسعة الجديدة خمس سنوات تقريبًا حتى تؤتي ثمارها، وفي ذلك الوقت تكون الحركة قد تضاعفت، وعلى الجهات المختصة أخذ ذلك في الاعتبار. ومن الحلول العملية المتاحة في الوقت الراهن، تفعيل وتحسين وتطوير قدرات مطار الطائف، وتحويل جزء من رحلات الحج والعمرة عن طريقه، وهذا حل سريع وممكن، ولا يحتاج لمبالغ كبيرة لتحقيقه، وبالإمكان طرحه للاستثمار الاقتصادي في أسرع وقت ممكن لفك الأزمة الحالية؛ والمرتقبة في مطار الملك عبدالعزيز الدولي. وأختم بالتأكيد على أن صناعة النقل الجوي والدور المتاح لها في المملكة يعد من أبرز وأهم الأنشطة الاقتصادية الواعدة، وهو بكل تأكيد رافد أساسي في البنية العامة لمقومات الدولة الحديثة، ولكنه بحاجة إلى جهود مواكبة، توظف كل الإمكانات المتوفرة، وتعمل على استغلال الفرص المتاحة، بدلًا من الجمود الذي أصاب البيئة الإدارية الحالية.. والله من وراء القصد.