في زحمة انشغال العالم بمتابعة مؤتمر أصدقاء ليبيا في باريس ووسط إجماع الحاضرين على الرضا العربي شبه الكامل على تدخل الناتو عسكريًا لإزاحة القذافي وتحرير الشعب الليبي انتهز الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي الفرصة فقال بالحرف الواحد: إن الشعب العربي لم يقل تسقط أمريكا ولم يقل تسقط أوروبا ولم يقل تسقط إسرائيل! والحق أن إقحام إسرائيل في مثل هذا الموقف لم يكن موفقًا بالمرة لاعتبارات عديدة. صحيح أن الشعب العربي في الحالة الليبية وربما التونسية والمصرية والسورية لم يقل تسقط أمريكا ولم يقل كذلك تسقط أوروبا لكنه في كل الأوقات كان ولا يزال يردد: تسقط إسرائيل! لقد كانت الرسائل الأمريكية والأوروبية للشعب العربي الثائر في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا إيجابية وواضحة وإن جاءت متأخرة، على العكس من الرسائل القادمة من إسرائيل وآخرها قتل الجنود المصريين في سيناء. وفي ضوء ذلك يصبح من غير اللائق أن يستغل ساركوزي الموقف فيزيد من حجم كرمه لإسرائيل بدون مناسبة مؤكدًا أن الشعب العربي لم يقل تسقط إسرائيل. إن نظرة واحدة على ميدان التحرير في مصر أمس تؤكد بوضوح أن الشعب العربي يعتبر أن الظلم الذي تعرض ويتعرض له الشعب الفلسطيني حتى اليوم على يد إسرائيل هو أحد مبررات وعناصر الثورات العربية. وإذا كانت ليبيا القديمة في عهد القذافي ظلت منشغلة بدولة «إسراطين» فإن ليبيا الجديدة ستردد صباح مساء: تسقط إسرائيل. بل إن سوريا الجديدة وعلى عكس ما قد يعتقد البعض سترد بقوة وصدق أكثر من ذي قبل تسقط إسرائيل.. والحال كذلك في تونس وفي كل الدول التي انتابتها ثورات الغضب. لقد كانت مصر القديمة في عهد مبارك شأنها شأن ليبيا القديمة وسوريا القديمة وتونس القديمة عناصر أمن وأمان لإسرائيل! لقد صبرت الشعوب العربية في تلك الدول على أنظمتها وتحملت ما تحملته من فقر وبطالة ومرض من أجل الإنفاق العسكري على الجيوش للتصدي لإسرائيل.. والآن وبعد عشرات السنين ثبت أن هذه الأنظمة بالذات كانت تجيد تضييع الوقت لتحيا إسرائيل.. ومن ثم فإن حجة ربط الأحزمة في الداخل من أجل الصمود والتصدي والمقاومة لم تعد تنطلي على أحد. لقد آن لإسرائيل قبل ساركوزي أن تدرك أن عصر الصلف سينتهي قريبًا وأن عبارة تسقط إسرائيل ستظل تتردد بقوة في كل الميادين الليبية والتونسية والسورية والمصرية حتى يعود الحق العربي لأصحابه في فلسطين. إن حملات العلاقات العامة لإسرائيل ومؤتمرات شرم الشيخ وتونس، وخزعبلات القذافي، وتمثيليات المواجهة في الجولان قد انتهت للأبد.. كما أن أي قرارات أو اتفاقيات خاصة بالصراع العربي الإسرائيلي لا بد أن تُعرض من الآن فصاعدا على الشعوب العربية التواقة للحرية والعدل والكارهة للظلم والغدر الذي تجسده إسرائيل.