حرص ولاة أمرنا في المملكة منذ تولي مؤسس هذا الكيان الملك عبد العزيز رحمه الله منح المواطن قطعة أرض لبناء سكن خاص يأوي إليه وأفراد أسرته، ويكفيه مشقة البحث عن بيت أو سكن للإيجار، ويخفف عنه نير وظلم الإيجارات التي أرهقت كاهل معظم المواطنين.. وهكذا حرص أبناء المؤسس في السير على نهج والدهم في إصدار المنح الملكية السامية لعامة المواطنين، والحرص على أن يحصل كل مواطن على قطعة أرض مناسبة تكون سكنا ملائما له ولمن يعول بحيث تكون داخل النطاق العمراني لأجل الاستفادة منها وليس مدّخرا لأحفاد أحفاده. وما حصل في شهر شعبان بين نخبة من أصحاب المنح الجامعية وشركة أدهم للاستشارات الهندسية دلالة واضحة على عدم الاهتمام بشؤون المواطن من قبل الشركة، أو الحرص على وقته الثمين، فقد كنت من ضمن المجموعة التي من المفترض أن تصاحب المهندس الممثل للشركة لتسلّم الأرض على الطبيعة، بعد أن تلقيت رسالة (sms ) من مكتب أدهم تفيد بأن تسليم الأرض على الطبيعة سوف يكون يوم الخميس الموافق 27/8/1432ه والتواجد أمام نادي الفروسية بذهبان الساعة الثامنة صباحا، وقد تأخرت قليلا عن الموعد، وبعد الاتصال بالمهندس أفادني بان المجموعة في طريقها للموقع ومن الصعب اللحاق بهم، ومن الأفضل التنسيق مع المكتب لأخذ موعد آخر. الزملاء من الأكاديميين الذين تواجدوا في الموقع وصاحبوا المهندس في الجولة لاستلام قطع أراضيهم، أفادونا بأنهم أكلوا (مقلبا كبيرا)، وبعد جهد وعناء ولف ودوران، وجدوا أن الأرض عبارة عن فضاء واسع، ولا أثر لوجود (بِتَر) إسمنتية لتحديد موقع كل أرض، والشوارع الداخلية غير معبدة، وفيها الكثير من الحفر التي أهلكت سياراتهم بعد مطاردتهم للمهندس قائد المسيرة، والانتقال بهم من مكان إلى آخر للوقوف على الأراضي المزعومة، كما لاحظوا إن جانبا من الموقع مرمى للنفايات، ولا يوجد في الموقع أي مؤشر يدلل على أن هذه الأرض هي أراضي منح أو جاهزة للتوزيع على الأفراد. كل ما عمله المهندس المرافق للمجموعة هو التوقف بين حين وآخر، وبعد نزول الجميع ينادي باسم الدكتور صاحب الأرض ويقول له: انظر قطعة الأرض الموجودة على بعد (ست) قطع من هنا هي أرضك! ويشير بيده إليها، وهنا يرد الدكتور صاحب القطعة: كيف أعرف (ست) قطع من هنا؟ وعلى أي أساس أعرف موقع القطعة بالضبط، ولا يوجد بتر أو أرقام تظهر الموقع؟ المهندس: ليس مهما؟ المهم أنك تعرف أن أرضك تبعد (ست قطع من هنا)! وهنا استشاط معظم المرافقين غضبا من هذا الأسلوب غير الحضاري، وهذا الاستهتار بأوقاتهم، وطلوعهم في يوم إجازة منذ الصباح الباكر وبدون فائدة، فهل يعقل هذا التصرف في بلد ينشد التخطيط السليم مثل المملكة؟ وفي مدينة تنشد الوصول إلى مركز متطور مثل مدينة جدة؟ عندما ارتفعت أصوات الزملاء وبدأت مشاعر الغضب تنتابهم لهذا التصرف غير اللائق من قبل مهندس الشركة، قال لهم المهندس " يا إخوان أنا عبدٌ مأمور، قالوا لي (اطلع سلمهم القطع طلعت) ، قالوا له: كيف تسلمنا أراضي غير مبترّة، ولا تحمل أرقاما، وليس فيها أي مؤشر على أن هذه أرض فلان أو علاّن، كيف نعرف أراضينا؟ ونحن نتساءل أيضا،: كيف يحدث هذا من قبل شركة مسؤولة مثل شركة أدهم، وقد حصلت على مبلغ (2000 ريال) عدّا ونقدا، وذلك كما علمنا من أجل تجهيز الأرض: تسويتها، وتخطيطها، وتبتيرها، وتسليمها خالية من الشوائب للمستفيدين؟ إنها مسؤولية أمانة محافظة جدة في المقام الأول، لأنها الجهة المعنية بالأمر، ومكتب أدهم يعمل تحت مظلة الأمانة، وله موظف يعمل لإنجاز أعمال المكتب داخل أروقة الأمانة، فكان الأولى من مكتب أدهم أن ينفذ جميع الشروط المتفق عليها مع الأمانة في تسليم أراضي المنح مستوفاة لجميع الشروط المطبقة في المخططات والمنح وليس تسليم الناس سمكا في الماء. إن غياب المتابعة من قبل أمانة محافظة جدة تجاه هذه المكاتب الهندسية المسؤولة عن تخطيط المنح، وتسليمها لأصحابها، أدى إلى هذا النوع من التراخي وعدم الإحساس بالمسؤولية تجاه المستفيدين من هذه المنح، والزملاء الذين سمعنا منهم أخبار تلك الجولة العبثية المرهقة، هم رجال عدول مشهود لهم بالصدق والأمانة وليس لهم أية مصلحة في تلفيق الخبر أو حتى المبالغة فيه. كل ما نرجوه من أمانة محافظة جدة أن تضطلع بمسؤولياتها تجاه المواطنين، وأن تعتمد في إسناد وتنفيذ مشاريعها لجهات ذات مصداقية وكفاءة لتنفيذ ما يسند إليها من أعمال بالشكل المطلوب بما يتفق مع المبالغ التي يتم تحصيلها من المستفيدين، مع توفر كل الاشتراطات التي تتطلبها الأمانة في أراضي المنح مثل ما هو معمول به في معظم المخططات الخاصة. والله من وراء القصد.