نحن نعيش أيام عيد الفطر السعيد في بحبوحة ورغد عيش، وأبناؤنا، وبناتنا، وشيبنا، وشبابنا يرفلون في ثياب العيد الجديدة، كما يرفلون في ثياب الصحة والعافية، وقبل ذلك كله ينعمون بنعمة الأمن والأمان في هذه البلاد المسلمة الطيبة، فقد أطعمنا الله من جوع، وآمنا من خوف، وتتاح لنا فرص التزاور فيما بيننا لنطمئن على أهلنا، وذوينا، وأحبائنا في المدينة التي نعيش فيها، أو في أي مدينة أخرى في بلادنا، أو قرية، أو هجرة.. فوسائل الاتّصال والمواصلات كلها متاحة، وبأزهد الأثمان، وأعلى المستويات، ولله الحمد والمنّة. وبيوتنا ملأى بما لذّ وطاب من الأطعمة والمشروبات، وتمتلئ جيوب صغارنا بالعيديات التي لا يبخل بها عليهم كل الآباء، والأمهات، والعمات، والخالات، والأعمام، والأخوال، وسواهم. فإن تكن تلك حالنا، فما حال إخوة وأخوات لنا في الدم، والدّين، والقربى في دول جد قريبة منّا شمالاً وجنوبًا، أصابهم الضُّرّ، وأيّ ضُر وهم يتعرّضون للقتل، والسحل، والتعذيب، والاغتصاب في شهر رمضان؟ فإن كنا قضينا رمضان وموائدنا تغصُّ بأطايب الطعام الذي يفيض كل يوم، ثم جاءنا عيد يكثر فيه الطعام والشراب، فإن إخوة لنا في سورية، واليمن، وليبيا، وفلسطين لم يجد كثير منهم كسرة خبز، أو جرعة ماء يفطرون عليها، وهم يئنون تحت قصف المدافع، وطلقات القناصة، ولولا أن هؤلاء الإخوة -وخصوصًا السوريين- قد درجوا على تخزين الطعام في البيوت على مدى العام، ما بين زيتون، وأجبان، ولحم مقدد، سوى إعداد الخبز في الدار، لولا ذلك -بعد رحمة الله تعالى- لمات أهل الشام جوعًا، وهم أهل الخير، والجود، والكرم، وسعة العيش، ولطالما أكرمونا بموائدهم الغنية التي تشبع العين قبل أن تشيع المعدة. ولا نستطيع تخيّل أن بيوت السوريين باتت خاوية إلاَّ من المخزون المعتاد، بعد أن كانت مضرب المثل في الرخاء، والوفرة، وكثرة الخير. وليس الحال بأفضل منه في اليمن، سلة الغذاء في جزيرة العرب، وبلاد السمن، والعسل. ومرتع قطعان الضأن والماعز، التي لم تكن أقل من الشام رخاءً؛ فأصابها ما أصابها من الضيم، والاجحاف، وسوء الحال، وحلّت بها الفاقة بعد عز دام مئات السنين، وباتت تعاني ممّا تعاني اليوم من ضعف الموارد، وقلة الزاد، وغياب الخدمات، ونقص الوقود ... إلى آخر القائمة. أمّا إخوتنا الليبيون فكانوا يجمعون بين ضعف الموارد، وبين حمل السلاح ليل نهار في نهار رمضان الحار، وما بعده في العيد، لا يعرفون الراحة، ولا الطمأنينة، يواجههم جيش نظامي بعدّته وعتاده، يدمّر بيوتهم ومرافقهم، ويفتك بأبنائهم وبناتهم، فلا هم يطعمون من جوع، ولا يأمنون من خوف، ونسأل الله أن يتم لهم النصر بعد أن لاحت بشائره. وإن تكن تلك حال شامنا، ويمننا، وحال أهلنا في ليبيا الحرة، فإن هناك إخوة لنا في الدِّين أسوأ حالاً من هؤلاء جميعًا، حلّ بهم الموت، وجفّ الضرعُ، ومات الزرعُ في مجاعات لم يعرف التاريخ لها مثالاً، أولئكم هم إخوتنا في الصومال، الذين يموتون، أو يموت أبناؤهم وبناتهم أمام أعينهم، وهم لا يلوون على شيء، وفي وقت كتابة هذه السطور أصبح ثلث أطفال الصومال مهددين بالموت جوعًا. وقد دعا ذلك إلى تشكيل تحالف إسلامي لإغاثة الصومال، كما أعلن عنه الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو، وأعرب أوغلو عن تقديره العالي للتبرع السخي الذي أعلن عنه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- بتخصيص مبلغ ستين مليون دولار لتقديم مساعدات عاجلة للصومال، إضافة إلى حملته الرمضانية -يحفظه الله- لغوث شعب الصومال، أمّا المنظمات الخيرية والإغاثية الإسلامية فجاءت في طليعتها هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية التي بادرت بتوزيع سبعة آلاف طن من المواد الإغاثية في مختلف مناطق الصومال الدانية منها، والنائية، وأوفد الأمين العام للهيئة فريقًا مدربًا للإشراف على توزيع هذه المعونات التي شملت مئات الأطنان من التمور، إضافة إلى أغذية وملابس وتوفير مياه الشرب. أقول -وبالله التوفيق- إن من واجب هؤلاء الإخوة علينا في كل أنحاء العالم الإسلامي الذين يعانون من كوارث لم تعرف البشرية لها مثيلاً، من واجبهم علينا أن ندعو لهم أولاً بأن يفرّج الله كربتهم، ويجبر كسرهم، ويبدلهم بضعفهم قوةً، وبخوفهم أمنًا. وفي الوقت نفسه نملك أن نمدَّ لهم يد العون سخيةً سيرًا على خطى قائدنا- يحفظه الله- بأن نتبرع لهم من خلال القنوات الشرعية الرسمية التي لا غبار عليها، من خلال صدقاتنا، وزكواتنا، وهباتنا، وتأتي هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية في مقدمة المنظمات الإسلامية الخيرية التي توصل المساعدات إلى مستحقيها بسرعة فائقة، وفعالية عالية. ولكي ترتسم فرحة العيد على وجوه إخواننا المنكوبين، فإن الهيئة توفر داخليًّا وخارجيًّا كسوة العيد، والعيدية، كما يتوفر فيها برنامج الأضاحي في عيد الأضحى، سوى مساعداتها المتنوعة طوال العام. نسأل الله تعالى أن يجعل أعياد المسلمين كلها فرحة، ويبعد عنهم الحسرة والغُصّة.