راحت السكرة وجاءت الفكرة بالنسبة لزعماء ليبيا الجدد، بعد هدوء الفرحة الغامرة، وبدء مهمّة إعادة بناء ليبيا، فيما توشك جماعات المعارضة المختلفة التي أطاحت بالعقيد معمر القذافي على اكتشاف ما إذا كان هناك ما يجمعهم بخلاف كراهيتهم للزعيم المخلوع. وعلى خلاف الحال في تونس ومصر، حيث تولى الجيش السيطرة بعد الإطاحة بزين العابدين بن علي، وحسني مبارك، فإن الليببين بدأوا يدركون الواقع الذي أمامهم في بلد يغص بالأسلحة، والمقاتلين المسلحين الذين يتحكمون في الشوارع في ظل انعدام مؤسسات الدولة، أو قوة شرطة أو جيش للحفاظ على تماسك البلاد. يقول محللون إن أهم أولويات المجلس الوطني الانتقالي هي القضاء على الأسلحة، والقمامة من الشوارع، وإعادة خدمات مثل المياه والكهرباء والاتصالات. ويعيش سكان العاصمة البالغ عددهم نحو مليوني نسمة دون قيادة سياسية، أو أمنية فعّالة. ولم يصل رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبدالجليل بعد إلى طرابلس لتولي قيادة البلاد. وقال جورج جوف، وهو خبير بالشؤون الليبية في جامعة كيمبردج: «هناك الكثير من الموضوعات غير الواضحة في الطريق. خاض المقاتلون معركة التحرير الخاصة بهم، وانتصروا بها، وهذا رائع، لكن الأمور قد لا تسير على ما يرام. من الممكن أن تكون هناك الكثير من الغلطات والأخطاء في الطريق». وأضاف: «من مقاييس نجاح المجلس هو مدى سرعته في حل نفسه. هناك أصوات مختلفة في المجلس ربما تسبب مشكلات». وبعد مساعدة ليبيا على الوقوف على قدميها تبدأ مهمة جمع شتات البلد الذي عمل القذافي على تقطيع أوصاله. والسؤال الآن هو: ما إذا كان عبد الجليل أهلاً لها؟ وقال جوف: «السؤال الحقيقي هو ما إذا كان للمجلس سيطرة فعالة، ومدى سرعة قدرته على تشكيل حكومة انتقالية. هناك عبء هائل ملقى على عاتق الزعيم مصطفى عبدالجليل. إذا تمكن من أن يمثل القيادة الفعّالة فسوف تنجح. إذا لم يتمكن فستكون هناك مشكلات». والآن على المعارضين الذين يتألفون من مزيج من مسؤولي القذافي السابقين، ورجال الأعمال، والمعارضين المنفيين أن يتحركوا سريعًا لتحقيق ما وعدوا الليبيين به، وهو دولة حديثة تعوضهم عمّا لم يتوفر لديهم قط.. البلد الديمقراطي الذي يسود به القانون، وحكومة قوية. ومضى جوف يقول: «المسألة ليست تقسيم ليبيا إلى فصائل، بل كيفية إقامة إدارة قادرة على البقاء تحافظ على تماسك البلاد». وعلى مدى 40 عامًا من حكم القذافي دمر كل أشكال الحياة المؤسسية، ومنع ظهور كل مراكز السلطات البديلة، مستخدمًا حكومته كواجهة للموافقة العمياء على قراراته وسياساته. ويعتقد المتابعون للشأن الليبي أنه حتى يكتب النجاح للمجلس الوطني الانتقالي فلابد أن يسارع بتشكيل حكومة تضم مختلف الأطياف، تمثل كل قطاعات المعارضة من جبل نفوسة، ومصراتة، والزاوية الذين تولوا عملية الزحف إلى طرابلس والإطاحة بالقذافي يوم 23 أغسطس. وتكهن المحلل السياسي الليبي مصطفى الفيتوري بالمشكلات المقبلة. ويقول إن المجلس الحالي لن يتمكن من قيادة البلاد عبر فترة انتقالية ناجحة وقصيرة. وأضاف إنه يفتقر للرؤية، والشرعية، والسلطة الفعّالة. وتابع: إن مَن يملكون الشرعية هم الناس الذين حاربوا، وللأسف فإنهم لا يأتون من خلفية سياسية محنّكة، ولا يفقهون بالسياسة. وقال إن هدفهم الأساسي كان الإطاحة بالقذافي. وقال عبدالجليل الذي يحاول أن يقدم مجلسه باعتباره بديلاً للقذافي له مصداقية إن المجلس سيعمل على إجراء انتخابات بعد صياغة الدستور الذي يتوقع أن يتم في غضون عام كحد أقصى. ومن المشكلات المحتملة، الخصومة بين زعماء المعارضة الذين بقوا في ليبيا، والذين عادوا من المنفى، وكذلك مقاومة المقاتلين في الجبل الغربي لفكرة المصالحة، أو التعاون مع مساعدي القذافي السابقين في حكومة ما بعد القذافي. وقال جوف: «لا أعتقد أن هناك قوة مهيمنة. كل تلك القبائل في الشرق والغرب والجنوب توحّدت معًا للتخلّص من النظام». ومضى يقول: «فيما يتعلق بالجيش وقوات الأمن لن يكونوا عراقًا آخر، ويسرحوا القوات» في إشارة إلى تسريح الجيش العراقي بعد الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة عام 2003 . ومن ناحية أخرى فإن المعارضة تتعرض لضغوط لمواجهة ما تبدو أنها أزمة إنسانية. بدأت جثث المقاتلين المدنيين الذين قتلوا في معركة طرابلس تتحلل في الشوارع بفعل الحرارة الشديدة، في انتظار متطوعين محليين لدفنهم في مقابر جماعية. وتتراكم جبال من القمامة المتعفنة في الشوارع، وتزكم رائحتها النفاذة الأنوف. وفر أغلب العمال الذين كانوا يجمعون القمامة من البلاد منذ فترة طويلة، أو توقفوا عن العمل. وفي بعض الأحياء ساعد المقاتلون والسكان على تنظيم عمليات جمع القمامة وإحراقها. كما شكلوا قوة عمل لدفن القتلى. وما زالت العاصمة متوترة، وجميع المصالح مغلقة، ولا يجرؤ الناس بعد على الخروج من منازلهم. وترتفع أسعار المواد الغذائية ارتفاعًا شديدًا، ويصل المعدل إلى الضعف. ويساور الكثير من الليبيين القلق من حجم الأسلحة الموجود في المدينة، ومنظر المقاتلين المتحمسين الذين يحملون البنادق وهم يحرسون نقاط التفتيش، ويجوبون الشوارع.