الموت حق على كل مسلم. ومملكتنا الغالية فقدت في هذا الشهر الكريم شخصية خدمت وطنها بكل إخلاص وتفانٍ في مجالات عدة: رياضية، وأدبية، واقتصادية، واجتماعية، وغيرها كثير. إنه فقيد الجميع صاحب السمو الملكي الأمير محمد العبدالله الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود، الذي رحل عنّا جسدًا، ولكنه معنا بروحه وذكراه العطرة. فقد تشرّفتُ بمعرفة هذا الأمير الإنسان قبل عقدين من الزمن، ومنذ اللقاء الأول بسموه لمستُ فيه التواضع، وطيبة القلب. فما يحمله في قلبه تجده على لسانه، لم يكن يحمل حقدًا أو كرهًا لشخص؛ لأنه بصراحة شخصية واضحة التعامل مع الجميع -دون استثناء-، صريح إلى أبعد الحدود. لم ألمس فيه صفة المجاملة، أو النفاق، أو الحقد. لم يحمل على أحد، وبالذات نحن كإعلاميين. فقد وجهنا سهام النقد له حين تولّى الإشراف على كرة القدم في النادي الأهلي قبل سنوات، وكنا ننتقده على صفحات الجرائد، ثم نلتقي به في النادي دون أن يوجّه اللوم والعتاب لأحد! بل كان يقول -رحمة الله عليه- هذه وجهة نظركم، وأنا أحترمها. ومن ضمن المواقف التي تشرفتُ بها مع سموه كنا أنا وبعض الزملاء الإعلاميين مع سموه في الطائرة الخاصة متجهين لأبها لحضور مباراة ودية بين الأهلي -أبان إشرافه عليه- وفريق الاتفاق، ففي تلك الرحلة القصيرة زمنيًّا خرجت بفوائد كثيرة، ومنها حرص سموه على مَن معه بالسؤال عنهم، وعدم تركهم. فكان -رحمة الله- يسأل عن كل زميل بعد هبوطنا مطار أبها، وحتى مغادرتنا للملعب، لم ينقطع السؤال عنا، وكان حريصًا على راحتنا، وعقب المباراة ونحن عائدون في طائرته الخاصة طلب من الزملاء الإعلاميين رأيهم في بعض اللاعبين المحترفين، وكنا نتحرج في طرح آرائنا احترامًا لإخوته، ولكن زميلنا خالد قاضي -كما هي عادته- طرح رأيه حول أحد اللاعبين، وكان رأيًا قاسيًا، ظننا بعد انتهاء خالد أنه سيناله بعض عبارات العتب واللوم من سموه، ولكنه -رحمة الله عليه- تبسّم، وقال: يا خالد رأيك أحترمه، ولكن من الصعب الحكم على لاعب من أول مباراة. ولكن ستثبت لكم الأيام المقبلة رؤيتنا. وبالفعل نجح ذلك اللاعب. فرحمك الله يا أبا تركي. وأسكنك الفردوس الأعلى من اللجنة، وألهم أسرتك ومحبيك الصبر والسلوان. (إنا لله وإنا إليه راجعون).