ذاك الصمت الذي كان يقلقنا، ويزيدنا حُرقة، ونحن نرى دماء إخواننا في البلدان العربية تُسفك، وأعراضهم تُنتهك، وكُنَّا نتساءل عن ذاك الصوت الحازم، والفعل الجازم الذي يُجبر جرح الأيامى، ويُطفئ حرقة دموع اليتامى، ويُوقف نهر الدماء النازف. طال الصمت الذي كان يرمي إلى إعطاء أولئك الحُكَّام الذين فجروا وطغوا وبغوا بأن يُراجعوا أجندتهم، ويُفتِّشوا في أعماق إنسانيّتهم لعلها تستيقظ، وترى طريق الحكمة، وتُعيد ترتيب بيتها من الداخل. فلمَّا ازداد الغيّ، وخرج الجُرم عن حدود الإنسانية، وارتفعت أصوات المظلومين مُستغيثة مُستنجدة، خرج صوت الحكمة، وكَسَرَ حواجز الصمت في موقف تاريخي شجاع، وكلمة شريفة حازمة، وُجِّهت إلى تلك الضمائر التي تلطَّخت بدماء الأبرياء. فكانت وقفة (أبوالعرب) الملك عبدالله -حفظه الله- ضد الظلم والطغيان ومناصرة المظلومين. إنها وقفة الشهامة التي لا يمكن أن تغض الطرف عن انتهاك حقوق الشعب الأعزل الذي يُطالب بحقوقه الواجبة بطرق سلمية. إنها كلمة إنسانية تُطالب أولئك الحُكَّام بالإصغاء إلى نداء العقل، والتحلِّي بالحكمة، والاستجابة إلى مطالب الشعب واحترام حقوقه. إنها كلمة بليغة اختير فيها الزمان والمكان، فهي نداء من أرض الحرمين، في زمن ترق فيه القلوب المُتحجّرة، فشهر رمضان شهر فضيل، له حرمته وكرامته. إن هذه الكلمة الحكيمة أخذت تترجمها المساعي السياسية الجادة مع مختلف الأطراف الفاعلة الإقليمية والعالمية. وإنَّا لنرجو، بل ندعو الله أن تكون هذه الوقفة التاريخية هي بداية تحقق الأمل المنتظر في إنشاء البيت العربي وتفعيله، هذا البيت الذي بات حلم كل عربي، حتى يأمن بَغي وتَجبُّر بعض الحُكَّام والرؤساء، إذ لا يتقبل العقل، ولا ترضى الإنسانية بأن ترى جارك يُسام سوء العذاب من وصيِّهِ الذي أكل ماله وسلبه أبسط حقوقه، بل استبد به الطغيان فشرع يسفك دم أبنائه، ويُرمِّل نساءه. هل يُعقل أن يَصُمّ جارٌ كريمٌ أُذنيه وهو يسمع صرخات جاره الذي ابتُلي بوصيٍّ أصابته لوثة من الجنون، وكُتل الأمراض النفسية المعقدة، فأخذ يذبح أبناء شعبه بألوان من العذاب يعجز إبليس عن ارتكابها. لا يمكن للجار الأبي الشهم أن يسمع عويل الأطفال، ويرى دموع الثكالى، وتضرّع الشيوخ الركَّع، ويقف مكتوف اليدين. فمن أجل حماية الشعوب العربية من ظلم الظالمين، وجنون المهووسين المختلين، لابد من السعي الجاد والحثيث لإصلاح البيت العربي، وتفعيل ورقة العمل التي تقدَّمت بها المملكة سابقًا إلى جامعة الدول العربية عام 2005م، وصاغت بها مشروعًا تنظيميًّا متكاملاً، يحفظ للعرب وحدتهم وتكاتفهم، ويحميهم من التعدّي على حقوقهم، ويعيد إليهم كرامتهم، ويرفع رايتهم فوق رايات الشعوب المتحضرة بنهضة حقيقية شاملة، فنعود أمة لها كلمتها، ولها هيبتها، ونحقق قول المولى عز وجل: (كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر).. ونُجسِّد قول رسوله الكريم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا». فهل سنرى قريبًا دعائم البيت العربي تشق الآفاق؟! ص. ب: 698 المدينةالمنورة 4131 [email protected]
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (49) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain