من المقالات الممتازة التي تعبر عن مصير الطغاة والمتكبرين وجزاء الصابرين ما قرأته للأستاذ فواز بن عادل بن غنيم وعنوانها (صمتكم يقتلنا) كتبها حسب قوله حتى لا يموت الضمير؛ وليكون للحياة معنى! وصمتكم يقتلنا هو شعار ثوار سوريا الذين نالهم التدمير البشري علي مرئي ومسمع من العالم!! وذكر أن صديقا اخبره أنّ سجينًا في سوريا صبر قرابة العقدين راضيا مطمئنا؛ لآية سمعها في كتاب الله من سورة آل عمران، هي قوله تعالى (لا يغرنّك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاعٌ قليل ثم مأواهم جهنّم ويئس المهاد) «196-197». تأملت الآية الكريمة وتساءلت كما اسأل نفسي دائما كلما قرأت أو شاهدت طغيان بعض الأنظمة وتدميرها للشعوب التي تولت مسؤولية رعايتها، فإذا هي تتحول من موقع المسؤولية عنهم كما هي العلاقة الجدلية العادلة بين الحاكم والمحكوم، إلي موقع الانتقام منهم وتكون قاتلهم وجزارهم وممزق أجسادهم!! أتساءل كيف لا تفكر هذه الأنظمة بهذه الآية الكريمة؟ وهي ليست الوحيدة التي توضح نتيجة الطغيان والجبروت، فالقرآن الكريم به قصص وعبر لنهايات مروعة لكل من تحدى السنن الكونية للعدالة في حق البشر. الشعب السوري يرزح منذ شهور إلى سحق بالدبابات والرصاص لشبابه وأطفاله، في مشاهد مروعة لا يمكن أن نتصورها إطلاقا ولكن رأيناها هناك في سوريا وليبيا وسابقا في ما يسمي بمعركة (البغال والحمير) في مصر!! وكما ذكر الأستاذ الكريم أن القرآن يتوعد الظالم في آيات كثيرة، ويعد المظلوم بالقصاص من غريمه، مع النّصر وحسن العاقبة (ولا تقتلوا النّفس التي حرّم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانًا فلا يسرف في القتل إنّه كان منصورا) «الإسراء-33». هذه الآية من يستوعبها جيدا يجد أن خصمه في الدنيا سيناله الصغار والعقاب في يوم الحساب. وهو الموقف الصعب المذهل الذي قد لا يستوعبه الطغاة الآن. هل تتذكرون ذلك المشهد الذي صور أحد التونسيين وهو يصيح في الشارع يردد عن الحرية عبارات تتخلل الجوانح لأنها من صدر مكلوم أطلق سراحه، وكأنه لا يصدق أن هناك حرية يتنفسها بدون السياط والمعتقلات؟! هؤلاء لماذا كانوا الجمر الذي لا يرتاح الظالم إلا إذا احرقه؟ هل لا يتذكر هؤلاء الطغاة هذه الآية الكريمة (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) «الأنبياء - 47» ؟ هل مستشاروهم إذا كانوا مسلمين ونتوقع هذا لا يعرفون معني النصيحة؟ بالطبع سيقول البعض (الحكم لا يرحم)! ينسون أن الذي لا يرحم هو القصاص الرباني لقوله تعالي: (سيصيب الذين أجرموا صغارٌ عند الله وعذاب شديدٌ بما كانوا يمكرون) «الأنعام - 124». (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) «الشعراء - 227». ما يحدث في هذه الدول من سحق لشعوبها وما يحدث في سوريا على وجه الخصوص مرفوض بمختلف المقاييس، خصوصا أمام صمت مريب يلف العالم المتقدم الذي يدندن دائما (بحقوق الإنسان) كلما تم القبض علي شاذ أو منعت امرآة من قيادة السيارة مثلا! ولكنه أمام هذا التدمير اليومي في سوريا من قبل الحكومة التي استاءت كاتبة تنتمي للطائفة نفسها التي يمثلها النظام السوري من هذه الجرائم اليومية المروعة والتي يتم بثها يوميا على القنوات وعلى مواقع الانترنت؟ لهذا جاء خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حول الوضع في سوريا بردا وسلاما علي قلوبنا وأيضا استدعاء سفير السعودية من دمشق للتشاور، مؤكدًا حفظه الله أن ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة. (ويعلم الجميع أن كل عاقل عربي ومسلم أو غيرهم يدرك أن ذلك ليس من الدين، ولا من القيم، والأخلاق). وأكد الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن «ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة العربية السعودية، فالحدث أكبر من أن تبرره الأسباب، بل يمكن للقيادة السورية تفعيل إصلاحات شاملة سريعة، فمستقبل سوريا بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن تختار بإرادتها الحكمة، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع لا سمح الله». نعم هل ستفهم الحكومة السورية هذه اللغة والنصيحة؟ أم يبقى الحال على ما هو عليه من القتل والترويع والتمثيل بالجثث ورميها علانية في الأنهار؟ ولا ننسى ما كتبته الكاتبة السورية، سمر يزبك، وهي من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها رئيس سوريا، قولها إنه في الأيام الأولى للثورة «أحد الشباب الذين استشهدوا في درعا، وضعوه في البرّاد (ثلاجة القتلى)، وهو حي، ولما أخرجوا جثته، وجدوه قد كتب بدمه: «وضعوني هنا وأنا حيّ، سلامي لأمي». وقالت: (مرت الأيام ومشهد نزيف دم الشاب الحي انتقل من درعا إلى أرياف دمشق وحواضرها وإلى مدن سوريا بكاملها.. رصاصٌ قتل الخوف، ولم يقتل الثورة). وقد وصفت يزبك حقيقة مستخدمي هذا الرصاص، بالقتلة والعصابات المجرمة، رغم أنهم من نفس طائفتها، وطالبت أبناء الطائفة بعدم التحول إلى وقود لنيران أشعلوها في مدن سوريا. ** نعم رصاص التخويف يقتل الأجساد ولكنه لا يقتل الإرادة الشعبية عندما تنطلق كالانفجارات البركانية، وإرادة الشعوب المقهورة لعقود، انطلقت ولا راد لها إلا سدود العدالة والإنصاف، والتحرر من الاستبداد، والجور، والظلم، والطغيان. وليت هؤلاء الحكام يستوعبون الدرس ولا يفهمون متأخرا فينالهم ما نال من سبقهم ممن شاهد العالم بؤسهم وإذلالهم خلف القضبان وعلي سرير متحرك! ** اللهم لا شماتة ولكنه بعض نصر الله ووعده للمظلومين بالنصر ولو بعد حين. • أكاديمية وكاتبة Nora23ster@ gmail.com