كيف ينظر العرب لأمريكا؟.. هذا السؤال يتردَّد كثيرًا داخل المجتمع الأمريكي، وقد احتار الجميع فى الإجابة عليه، ولكن الصحفي والباحث الإسكتلندي «أندرو همند» قام بعمل دراسة شاملة من أجل الإجابة على هذا السؤال، نشرها فى كتاب تحت نفس الاسم، ترجمه الكاتب والباحث المصرى مصطفى عبد الرازق، وصدر عن مركز دراسات الإسلام والغرب يرى المؤلف على مدى فصول الكتاب السبعة وبعد عرض العديد من الرؤى العربية للولايات المتحدة، أن العرب لا يكرهون الولاياتالمتحدة لذاتها أو فى العموم، بل يكرهون ازدواجية أمريكا وكيلها بمكيالين، ويستشهد المؤلف فى مقدمته بمشهد - لم يوضح إن كان شاهده بنفسه أو رواه صديق له - فى موسم الحج بمكة عام 2004 عند رمى الجمرات وجود قطعة من الصخر كُتب عليها بالإسبراي الأحمر كلمة واضحة مكونة من أربعة حروف لاتينية هى: Bush «بوش» فعلى خلاف كل المقاصد التى يمكن أن يعكسها رمز شعيرة رمى الجمرات، فإن أحد الحجاج اعتبر بوش، والذى كان يقدم نفسه على أنه زعيم العالم الحر، الشيطان الذى يجب على المسلمين الذين يخشون الله أن يقذفوه بحجارتهم أثناء الحج. ويوضح همند أن العلاقات العربية مع الولاياتالمتحدة تدهورت من السيئ إلى الأسوأ فى السنوات الأخيرة، فعندما انتفض الفلسطينيون ضد الاحتلال الإسرائيلي في سبتمبر 2000، وجه الرأي العام اللوم للولايات المتحدة لمساندتها الشاملة الأخلاقية والسياسية والاقتصادية لإسرائيل، ومساعى هيمنتها على السكان العرب فى الأراضي التى احتلتها إسرائيل عام 1967، دون أن تسعى مقابل ذلك لمنح الفلسطينيين الاستقلال أو حتى وضع المواطنة المساوى لليهود فى إطار الدولة اليهودية. وقد مارست الولاياتالمتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 ضغوطًا على الدول العربية للتعاون معها بشأن الأمن وإصلاح أنظمة التعليم التى تحتشد بالتوجهات والقيم الإسلامية، فى خطوة من الواضح أنها استهدفت مصر والسعودية بشكل أساسيٍّ، كما شعر العرب فى الوقت ذاته برياح السخرية تنال من كل ما هو عربي ومسلم في الغرب، بشكل كشف عن تزايد الازدراء والاحتقار القائمين بالفعل، وعلى ذلك كانت الحرب على الإرهاب فى المنظور العربى حربًا على الإسلام والعرب. ويرى المؤلف أن الرؤية العامة فى العالم العربى تتمحور حول أن الراديكالية الإسلامية إنما تمثل رد فعل على الضعف العربي والإستقواء الأمريكي، فيما يذهب المثقفون إلى أن العالم العربي لا يريد من الولاياتالمتحدة أو الغرب تعليمه الديمقراطية، مشيرين فى ذلك إلى الخبرة البرلمانية الديمقراطية فى مصر قبل 1952 كمثال يوضح كيف أن التدخل الأجنبي فى رأيهم قوض الديمقراطية وأعطاها مسمى سيئًا. ويتعجب المؤلف أنه فى الوقت الذى يعاني فيه العرب من السياسات الأمريكية فإنهم يبدون اهتمامًا بالموسيقى الأمريكية، ويتتبعون خطوط الموضة القادمة من هناك، ويشاهدون البرامج التلفزيونية الأمريكية ويحرصون على اقتناء مخترعاتها، بل يبحثون عن كافة السبل التى تمكنهم من محاكاة أساليب الحياة الأمريكية الناجحة، ومن جانبها قامت الولاياتالمتحدة بجهود مكثفة من أجل كسب ود العالم العربي عبر مشروعات مثل راديو «سوا» وتلفزيون «الحرة». إن العرب يشيرون إلى أنهم يجدون صعوبة بالغة فى توصيل وجهات نظرهم إلى الدول الغربية وبشكل خاص الولاياتالمتحدة، حيث تبدي وسائل الإعلام هناك على ما يبدو رفضًا لوجهات النظر العربية ما لم يكن أصحابها من المهاجرين إلى الغرب. على الجانب المقابل، لم يبد صانعو السياسة الخارجية الأمريكية الكثير من الاهتمام بمحدودية معرفتهم بشأن ما يذهب إليه العرب الآخرون خارج نطاق أولئك الذين يقيمون بالولاياتالمتحدة ويعكسون التفكير الليبرالي، وهو ما يعود جزئيًا إلى ذلك الرأي الذى يتمتع بقدر من المصداقية بأن الطبيعة التسلطية للحكومات العربية تعني أنها ليست ذات قيمة بشكل يعتد به، أو أن وجهات النظر العربية ليست مهمة جزئية بسبب الازدراء الغربى لها، أو أن أمريكا لها رؤيتها الخاصة القائمة على معرفة ماذا يدور فى عقول هؤلاء البرابرة، وفيما بعد 11 سبتمبر ساد زعم ساذج مؤدَّاه أن فرض التغيير الديمقراطي، بعد سنوات من مساندة الأنظمة الديكتاتورية والاهتمام الظاهرى بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني الذى طالت تأثيراته الكارثية، يمكن أن يمرر الخديعة، وهو ما لن يكون. وبينما توجد وفرة من الدراسات المتعلقة بوجهات النظر الأمريكية تجاه العرب، ومنها على سبيل المثال دراسة روبرت كابلان «العرب» فإنه لا توجد سوى أعمال محدودة تتناول المواقف العربية تجاه الولاياتالمتحدة ويؤكد المؤلف أن هجمات 11 سبتمبر 2001 عن أن العلاقات الحسنة على المستوى الرسمى كانت بعيدة عما كان يجرى داخل المجتمعات العربية التى كانت تتسع داخليا بشكل سريع، وعلى مدى عقود، وبشكل خاص بعد الهزيمة المخزية على يد إسرائيل عام 1967 حيث أبدى طيف واسع من الدوائر السياسية الإسلامية والعلمانية سخطهم العميق على تكيف حكوماتهم مع السياسة الخارجية الأمريكية. وقد عززت العلاقات القائمة على هذا المستوى فقط، والتى كان من المستحيل تجنبها، تحول المجتمع ضد الولاياتالمتحدة، إن القوتين الرئيسيتين واللتين تعكسان معسكري السياسيين والمثقفين فى العالم العربى اليوم، الإسلام السياسي والقوميين العرب، كانتا معارضتين للأمريكيين بشكل كبير، فيما لم يبد قدرا كبيرًا من الحماسة لهذه العلاقات سوى الديمقراطيين الليبراليين الذين كانوا يعيشون حالة من الحصار. وعززت ثورة الإعلام العربية التى بدأت فى أوائل التسعينيات تأثير المجتمعات العربية فى مواجهة الدول والحكومات العربية، ما ساهم فى تعقيد الأوضاع مع الولاياتالمتحدة وزاد غزو العراق، والذى قدمته الحكومة الأمريكية على أنه جزء من حملة أوسع لنشر الديمقراطية فى العالم العربى من الإضرار بالموقف الأمريكى في المنطقة، رغم حقيقة أنهما- الغزو وتحقيق الديمقراطية- كانا يعتزمان تحسينه. وفى الوقت ذاته بدأ العالم العربي بدوره معجبًا ومفتونًا بالشعب الأمريكي والثقافة السياسية وعالم أمريكا الداخلية، فى ذات الوقت الذى كان يبدى فيه قدرًا من الرفض للسياسة الخارجية الأمريكية، الأمر الذى جعله يحدد نمط تعامله مع الولاياتالمتحدة وفقا للزاوية التى ينظر إليها من خلالها وقد أتخم التلفزيون العربي نفسه بالسير على نهج التلفزيون الأمريكي، حيث حشد بثه بالبرامج الحوارية، والمسرحيات الهزلية، وحتى البرامج الإخبارية الحية، فيما تجتهد الموسيقى والموضة وعناصر الثقافة الشعبية العربية الأخرى لتقليد ومحاكاة نظيراتها الأمريكية قدر ما تستطيع بشكل يتسم بالمرونة يثير الدهشة ويفتح المجال بقدر كبير لمن يرفعون راية القيم الدينية والإسلامية. ويعمد العالم العربي بشكل شامل إلى تفسير موقف الولاياتالمتحدة وتحديد ردود فعله تجاهها من خلال نظرته لمسار النزاع العربي الإسرائيلي ومأزق الفلسطينيين، الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، كمواطنين من الدرجة الثانية فى الدولة التى تحدد نفسها باعتبارها «دولة يهودية خالصة» وعبر النظر لقضية اللاجئين وتعد الصهيونية فى الخطاب العربى، حركة عنصرية وأيديولوجية ذات أصول تربطها بالاستعمار الذى يشوِّه سمعة العرب ويسلبهم حقوقهم ويعمل على تعزيز هيمنته على الفضاء السياسى والثقافى العربي.