تابعت ما جرى في جامعة أم القرى، وجامعة الملك عبدالعزيز من احتجاجات قامت بها أعداد من الطالبات رفض قبولهن في الدراسة النظامية، وتوالت الأخبار بأن هذه الاحتجاجات ليست خاصة بهاتين الجامعتين، فهناك جامعات أخرى تَكرَّر فيها نفس الحدث، وإن اختلف الأسلوب. لن أقف محللة للحدث وأدبياته من حيث الجواز وعدمه، فالقضية بحاجة إلى دراسة حكيمة واعية تدرس عن كثب سبب هذا التأجج، وبلوغ السيل الزبى، ووضع طرق علاجية سريعة ومطمئنة تتلاءم مع الطموحات الشابة. ولعل هذه الزوبعة النسائية هي في حقيقتها رفض لمنطق مجتمعي مازال يُفضِّل الذكور على الإناث، ففرص ومجالات التعليم أمام الذكور -على ضيقها- هي أوسع من الفرص النسائية. ثم إن الجامعات قبلت الذكور حتى نسبة 70% بينما أُغلق باب القبول للإناث عند 79% هذا غير فُرص امتحان القدرات للطلاب أكبر منها لدى الطالبات. ولا أعلم كيف يتم رفض قبول الطالبات أمام الأمر الملكي القاضي بقبول جميع طلاب وطالبات الثانوية العامة، ولم يُفرِّق بين ذكر وأنثى. هذا الأمر الملكي أعطى الجميع شُحنة قوية من الأمل في الدراسة الجامعية التي هي الخيار التعليمي الأفضل المفتوح أمام أبنائنا مهما حاول بعضهم من الإشارة إلى خيارات تعليمية أخرى هي في الحقيقة ليست موجودة وإن وجد بعضها فذو كفاءة متدنية. الذي أود أن أناقشه في هذا المقال تلك الحجة الواهية التي تتغنى بها أكثر الجامعات كلما ظهرت مشكلة القبول، وهي ضعف قدراتها الاستيعابية، منذ سنوات ونحن نسمع هذه الأسطوانة المكسورة وهذه الحجة في نظري ليست حجة للجامعات، بل هي حجة عليها، فلِمَ لَم تعمل الجامعات على توسيع طاقاتها الاستيعابية في ظل ما تنفقه الدولة من ميزانيات ضخمة تعادل ميزانيات دول بأسرها، لماذا هذا النمو البطيء في الجامعات، فلا مباني جديدة، ولا أجهزة حديثة كافية، ولا زيادة وطنية في كوادر أعضاء هيئة التدريس، أو الكوادر الإدارية، تتوافق مع الزيادة المتنامية في الطلب على الجامعات، فكل خمس أو عشر سنوات ترى مبنى يُطِلُّ عليك، في حين أن هناك مدنا جامعية تُبنى خلال سنتين فقط، وجامعة الأميرة نورة خير دليل على ذلك. والسؤال العريض هنا: هو كيف تم بناء هذه المدينة وعلى هذا المستوى؟ الذي لاشك أن طاقتها الاستيعابية تغطي لخمسين سنة قادمة، لماذا لا تكون جامعاتنا جميعها بهذا المستوى، هل التقصير من الجامعات نفسها، أو أن هناك عدم تكافؤ فرص بين الجامعات في الميزانيات؟. ولنعد إلى الواقع ونسأل تلك الجامعات، كيف استطاعت أن تتخطى مشكلة القدرة الاستيعابية؟ وكيف استطاعت أن توفر كوادر تدريسية بين عشية وضحاها حين شرعت في فتح البرامج التعليمية الاستثمارية، من تعليم موازٍ إلى انتساب إلى تعليم عن بُعد، وسارعت بفتح كليات خدمة المجتمع، من أين أتت بالقاعات والأجهزة وأعضاء هيئة التدريس وهي ما تزال في نفس مبانيها؟ أو أن جميع المشكلات أمام الإغراء المادي تُحلّ في غضون ساعات..؟! إن الجامعات تُدافع عن هذه الأنظمة التعليمية على ما فيها من سلبيات لأنها تدر عليها أرباحاً كبيرة ملأت جيوبها، حتى انشغلت الجامعات عن رؤية سلبيات هذه الأنظمة بالطريقة المنفذة وأثرها على الأداء والجودة التعليمية، ونوعية المخرجات التعليمية ومدى الاستفادة منها في سوق العمل، وهذا موضوع بحاجة إلى عرض ومناقشة مستقلة لعلي أقوم بها لاحقاً. ربما نظر الكثيرون إلى هؤلاء الطلبة والطالبات أصحاب النسب المخفضة على أنهم أفراد غوغائيون يطالبون بما لا يستحقونه، متناسين أن هؤلاء الطلبة هم ضحية الفجوة الواسعة بين نظام التعليم العام والتعليم العالي، ومحاولة كل نظام تأديب الآخر على حساب أبنائنا، إضافة إلى أن الجامعات الناجحة هي التي تُرحب بالطالب الفاشل لتحوله إلى فرد فاعل في المجتمع. ص. ب: 698 المدينةالمنورة 4131 [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (49) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain